سليمان الماحي يكتب : سلة غذاء العالم الفارغة !

هل حقا السودان سلة غذاء العالم ؟
هذه السلة الغذائية التي يبشرنا بها العالم مرة بعد أخرى وتتردد على مسمعنا لم نحظ برؤيتها حتى نتصور معها ( سلفي ) وان كان واقع حال البلد الان يشير الي انها أن وجدت فهي سلة فارغة لا تغني ولا تشبع من الجوع .
أنظار العالم كلها تتجه الى السودان في هذه الأثناء التي تدور فيها رحى الحرب الروسية الأوكرانية فالدول التي منحتها الجغرافيا مكانا قصيا عن
أوكرانيا حيث دوي الأسلحة والقنابل والصواريخ والمدافع لكن لا مفر لها من ان يطالها الجوع جراء تسببت الحرب في وقف تدفق طحين القمح إلى العديد من دول العالم ولسوء الحظ ان السودان هو من بين الدول المرشحة لتتضور جوعا .
السودان الذي حباه الله بامتلاك أرض خصبة ومياه ري عذبة وفيرة كان يمكن أن يحسن استثمار القطاع الزراعي بالنحو الذي يمكنه من أن يوفر لنفسه وأيضا لدول العالم قوتا بكميات تدرأ عنهم خطر المجاعة .
ومن الناس من يجادل عن قناعة بأن السودان ما ينبغي له أن يكون في دائرة المهددين بالمجاعة لأن لديه العديد من البدائل الغذائية التي تشتهيها النفس وتشبع البطن ومثالا على ذلك العصيدة والقراصة لكن النفوس التي لم تعد متطايبة الان باتت معلقة بالرغيف ولأجل ذلك يستورد السودان 86 في المائة من طحين القمح الروسي والأوكراني للاستهلاك المحلي ومعنى ذلك أن سلة الغذاء التي يتطلع اليها العالم مثقوبة أو لنقل فارغة ولا أمل في أن تطعم أهلها ناهيك عن مواجهة مجاعة عالمية محتملة في القريب أو البعيد فإن حدثت تكون نتائجها كارثية تفوق الحرب التي تدور الآن في الأراضي الأوكرانية .
ولعل من المفارقة الغريبة العجيبة أن يكون السودان الذي يتمتع بكل تلك المؤهلات الزراعية التي تحسده عليها الدول وبخاصة الجيران وتجعله سلة غذاء العالم لديه تجارب عديدة في المجاعات ولنتذكر من تلك مجاعة 1906 وأخرى سنة 1984 وبعدها بعام واحد وقعت مجاعة 1985 ومثلها مجاعة 1993 ثم مجاعة الجفاف التي ضربت السودان في سنة 1998 وأسفرت عن وفاة 70 ألف شخص واشتهرت بلجوء الناس الى بيوت النمل بحثا عن مخزون الذرة .
ونسأل كغيرنا لماذا يفشل سوداننا بأن يكون سلة غذاء عالمية ؟
لا بأس أن نذكر بأن الحكومات التي تعاقبت على ادارة الشأن السوداني منذ الاستقلال والى يومنا هذا ارتكبت أخطاء شنيعة عندما لم تهتم بموارد الوطن العديدة سواء التي فوق الأرض أو تحت الأرض وإن كان أبرزها الأراضي الواسعة الصالحة للزراعة وبناء على الأرقام فالدولة لم تستثمر منها سوى نسبة 20 بالمائة فقط بينما الأراضي الصالحة للزراعة نجدها تساوي 175 مليون فدان صالحة للزراعة وتتوزع على مساحات المشاريع الزراعية بالنحو التالي : الجزيرة بمساحة مليوني فدان ، حلفا 500 ألف فدان ، السوكي 115 ألف فدان ، الرهد 300 ألف فدان ، دلتا القاش ومشروع طوكر في شرق السودان بمساحة ربع مليون فدان ويضاف الى ذلك 118 مليون فدان تمثل المراعي الطبيعية وحين نحسب الثروة الحيوانية نجدها تزيد على مائة مليون رأس وتتضاعف تلك المكاسب الزراعية والثروة الحيوانية مع وجود المياه العذبة التي توفرها الأنهار والأمطار والآبار الجوفية وأيضا يحظى السودان بثروة ضخمة من المعادن والذهب والنفط والسكر .
الخبر السيئ جدا هو أن تلك الموارد المحلية الضخمة سواء الزراعية أو الحيوانية ويضاف اليها الرصيد من المعادن والنفط فشلت تماما في أن تنهض بالسودان وتطعم أهله وتجنبهم الاعتماد على الإعانات والقروض الخارجية ويعود السبب في ذلك الى اهمال الحكومات لتلك الموارد عندما لم تقم بتوفير الخدمات التي تساعد على النهوض بالقطاع الزراعي وكثيرا ما شكا المزارعون أنفسهم من عدم توفر الحراثة وتنظيف الترع وشح مياه الري والمعينات الخاصة بالتسميد والتنظيف والمبيدات .
الشباب الذين فجروا الثورة وضحوا بأنفسهم كان يحدوهم الأمل بأن تكون الثورة أداة فاعلة تعيد للوطن أمجاده التي سادت ثم بادت وإن كانت طموحاتهم تتجه نحو التنمية الاقتصادية لكونها تمثل حجر الزاوية لمحاربة البطالة التي يعانون منها بفتح فرص العمل لهم غير ان أحلامهم تلك تبددت ولم يكن أمامهم من خيار غير الانتظار في مجالس ستات الشاي أملا لمن يأتي بطموح إخراج البلاد من متاعبها المعيشية والاقتصادية ويفتح فرص العمل للشباب ويحقق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الزراعي والصناعي وبخاصة : الصمغ العربي ، القمح ، القطن ، الفول السوداني ، الذرة ، السمسم ، السكر والمعادن .