عقب تراجع دام سبعة أشهر ارتفاع (التضخم) .. هل تتوالى القفزات …؟؟

الخرطوم : عبد الرحمن صالح
تفاقمت معاناة المواطنين في الفترة الماضية جراء التدهور المريع في النواحي الاقتصادية ، بسبب توقف عجلة الانتاج ، والارتفاع الجنوني للسلع ، وأمس الأول عقب تراجع استمر قرابة ٧ أشهر وبالرغم من ان الإعلان الحديث عن انخفاض معدلات التضخم يعتبر حديثاً وهمياً بحسب البعض وأن الانخفاض نسبي في بعض السلع، لكنه ليس انخفاضاً حقيقياً، وأن التضخم تجاوز (٤٥٠٪) ،عاودت معدلات التضخم الارتفاع حيث قفز معدل التضخم السنوي إلى 236,6% خلال شهر مارس 2022، مقارنة مع 258.40% معدل شهر فبراير 2022م بارتفاع قدره 4.76 نقطة ، طبقاً لبيان الجهاز المركزي للإحصاء .وقال الجهاز المركزي للإحصاء في البلاد ،إن معدل التغير الشهري للرقم القياسي العام لأسعار السلع الاستهلاكية والخدمة قد سجل 13.02% لشهر مارس 2022 مقارنة بمعدل 14.39% في شهر فبراير 2022.
وبحسب بيان الجهاز المركزي للاحصاء سجلت مجموعة النقل أعلى نسبة مساهمة في معدل التغير الشهري للرقم القياسي العام لأسعار السلع الاستهلاكية بلغت 41.38 %، في شهر مارس 2022، ويعود ذلك لارتفاع أسعار الوقود وبالتالي تذاكر المواصلات الداخلية وتذاكر الطيران، تليها مجموعة الأغذية والمشروبات بنسبة مساهمة بلغت 35.26%، كذلك سجلت مجموعة الترويح والثقافة مساهمة بلغت 10.17%، وذلك لارتفاع أسعار الأجهزة السمعية والبصرية والمعدات الرياضية والأدوات المكتبية والصحف والمجلات، تليها مجموعة التجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة الاعتيادية للبيوت والتي بلغت 5.58%، وذلك لارتفاع أسعار الأسمنت ومعدات الصيانة المنزلية الأخرى، أما مجموعة السكن والمياه والكهرباء، والغاز، وأنواع الوقود الأخرى فقد بلغت 2.64%، ذلك لارتفاع أسعار الغاز والكهرباء وفاتورة المياه.
وبلغت السلع والخدمات المتنوعة نسبة 1.73%، ومجموعة الملابس والأحذية 54. 1%، بينما سجلت باقي المجموعات السلعية الأخرى استقرارا بنسبة مساهمة بلغت 1.70% كما سجل معدل التغير السنوي (التضخم) للمناطق الحضرية 248.63% لشهر مارس 2022، مقارنة بمعدل 238.32% لشهر فبراير 2022، كما سجل معدل التغير السنوي (التضخم) لمجموعة الأغذية والمشروبات 155.58% لشهر مارس 2022، مقارنة بمعدل 143.08% لشهر فبراير 2022.
وذهبت توقعات مراقبين في وقت سابق الى ان ارتفاع أسعار الخبز وغلاء الكهرباء التي تم تجميد زيادة أسعارها التي تعدت أخيراً الـ 600 في المائة سوف تؤدي إلى زيادة معدلات التضخم، وبالتالي يصبح ما تحقق من مؤشرات إيجابية للتضخم في تلك الشهور لا معنى له”،لا سيما وان “المؤشرات الحالية للوضع الاقتصادي ليست حقيقية، في ظل تأزم المشهد العام.
ويؤكد عضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الشيوعي الخبير الاقتصادي كمال كرار أن السياسات الاقتصادية التي اتخذتها حكومات الثورة من سقوط الانقاذ ، قبل ثلاث سنوات ، يؤكد أنها سياسات ساعدت في انفلات التضخم ، ويضيف قائلاً جميع القرارات الاقتصادية خلال الثلاث سنوات الماضية كان لديها آثار في ارتفاع التضخم بالبلاد ، من سياسة التحرير وتعويم الجنيه وغيرها من روشتات البنك الدولي ، التي زادت تكاليف السلع ورفعت الضرائب ، ويجزم كمال في حديثه لـ(الإنتباهة) بعدم وجود اي جهود من الحكومة لتثبيت معدلات التضخم في رقم واحد ، ويقول إن معظم التقارير التي تصدر من الجهاز المركزي للإحصاء “مزيفة” ولا تذكر الأرقام الحقيقية ، ويشير إلى أن التضخم ضريبة “قسرية ” يدفع ثمنها الفقراء ، وأغلبية المواطنين من ميسوري الحال والأغنياء لا يتأثرون بالتضخم .
ويشدد كمال على ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية ، وأن تأتي حكومة تهتم بالقطاعات الإنتاجية ، حتى تتمكن من السيطرة على التضخم وتثبيته في رقم واحد ، ويشير كمال الى أنه في ظل الوضع الراهن سوف يستمر التضخم في الارتفاع ، ويؤكد أن الأرقام التي تذكر الآن لمعدلات التضخم مزيفة ، ويضيف قائلاً :”التضخم منذ يناير بداية العام 2022 والى الآن التضخم وصل الى 1000% ، ويؤكد أن الاسباب الرئيسية لزيادة معدلات التضخم في البلاد ،السياسات الحكومية الموجودة الآن، ويرهن كمال حل ارتفاع معدلات التضخم بوضع سياسات جديدة مغايرة للسياسات الحالية للحكومة .
وفي مارس الماضي عقب تعويم الجنيه ، ارتفع سعر الدولار لأكثر من “780” جنيها ، وتعويم الجنيه ورفع الدعم عن السلع مطلبان أساسيان لصندوق النقد الدولي؛ لدعم برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة، وظلت البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر تعاني من أزمات متجددة في الخبز والوقود وغاز الطهي، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية إلى أرقام قياسية .
أما بالنسبة للخبير الاقتصادي د . عبد الله الرمادي فأن ارتفاع معدلات التضخم لشهر مارس ، نتيجة لزيادة الطلب لان هذا هو موسم رمضان وعيد الفطر ، يزداد فيهما الطلب على السلع ، لا سيما وقد سبق هذه الفترة ركود نسبي ، ودخلت البلاد في مرحلة كساد ، وكان هناك بطء في العملية الإنتاجية ، وبطء في حركة الاستيراد ، ويؤكد الرمادي في حديثه لـ(الإنتباهة) أن سرعة نمو الاقتصاد السوداني قل كثيراً في الآونة الاخيرة ، بسبب الاعتلال الواضح في نظام الحكم وعدم وجود حكومة في البلاد منذ فترة طويلة ، ويشير الى أن بسبب الكساد الاقتصادي ، أصبح الطلب ضعيفا على السلع والمنتجات ، ويؤكد أن البلاد تشهد ركودا وكسادا اقتصاديا مصحوبا بمعدلات تضخم عالية ، ويضيف مهما انخفضت معدلات التضخم نسبياً ، لكنها تتراوح بين ( 250% – 300% ) وهذه معدلات مرتفعة جداً ، تجعلنا نتصدر الدول الافريقية لأعلى معدلات التضخم في القارة الافريقية .
ويجزم الرمادي بأن ارتفاع معدلات التضخم وغيره ، ناتج بسبب الاختلال السياسي الذي أفضى للاختلال الأمني ، وبالتالي انعكس على الوضع الاقتصادي ، ويؤكد أن ارتفاع معدلات التضخم بهذه الصورة التي فاتت “جموح الجموح” ، الامر الذي يحيل الموظفين ومتلقي الرواتب ، ويجعل راتبهم يتآكل حتى فقد 80% من قيمته خلال عام ، ويشير الرمادي إلى أن ارتفاع معدلات التضخم ناتج من زيادة الطلب في فترة الأعياد ، ويقول إن الحكومة نشطت في دفع استحقاق العاملين بها ، بحيث أنهم يستطيعون مواجهة التزامات رمضان والعيد ، وربما هذا السبب ادى لارتفاع معدلات التضخم ، ويؤكد الرمادي أن السياسات غير الرشيدة و”التشطر” من الجهات الحكومية على المزارعين ، والتباطؤ في شراء المحصول بسعر مجز يشجع المزارعين على الإنتاج العام القادم ، يجعلهم يصرفون النظر عن الزراعة والإنتاج ، ويشدد الرمادي على ضرورة أن تتخذ الحكومة مشروع سياسات اقتصادية متكاملة تبدأ من الصفر ، كي تستطيع كبح جماح التضخم ، ويقول إن السياسات الاقتصادية للحكومة يجب أن تكون في كل الاتجاهات ، وأن تبدأ بوقف “التهريب” فوراً ، وسن قوانين تكون عقوبتها رادعة للمهربين ، فضلاً عن عمل الحكومة على استجلاب تحويلات المغتربين بالقنوات الرسمية ، لجهة أن التحويلات تدعم الاقتصاد السوداني ، وتدعم العملة الوطنية ، ويضيف الرمادي قائلاً إن توفير هذه المطلوبات يهيء البيئة للاقتصاد السوداني كي ينطلق ، وتقام مشروعات بيني تحتية ، لكافة المنتجات السودانية التي تصدر للخارج وتهدر ، وكل فوائدها تعود لدولة أخرى .
ويعد التضخم من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد منذ عقود على الرغم من العديد من المحاولات للتخفيف من حدته.
إذ أن ارتفاع معدلات التضخم يؤثر على المجتمع بارتفاع المستوى العام للأسعار وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية وبالتالي ارتفاع معدلات الفقر وتؤثر معدلات التضخم المرتفعة والخارجة عن السيطرة على مجمل النشاط الاقتصادي٠
عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير الخبير الاقتصادي محمد نور كركساوي يشكك في رقم النسبة التي أجرى الجهاز المركزي للإحصاء عليها الدراسة لقياس معدلات التضخم ، لجهة أنها لم تكن دراسات واضحة وليست متضمنة للأرقام، ويضيف لكن نعتبرها جهات رسمية ، ويشير كركساوي في حديثه لـ(الإنتباهة) الى أن الطلب الزائد على العملات الأجنبية وخصوصاً “الدولار” ، وتخفيض قيمة العملة الوطنية ، يؤدي لارتفاع مدخلات الانتاج والسلع ، مما يساعد في ارتفاع معدلات التضخم ، فضلاً عن ارتفاع اسعار الوقود عالمياً الامر الذي ادى لارتفاع أسعار النقل والخدمات للسلع ، اضافة الى أن توقف الموانئ اثر على الكتلة النقدية ، ويؤكد محمد أن الرقابة الأمنية لن تحد من التضخم بصورة فاعلة ، ويؤكد أن معالجة ارتفاع التضخم والسيطرة عليه ليست اقتصادية في المقام الأول ، ويقول اذا لم يتم معالجة الجانب السياسي في البلاد لن تتم معالجة الجانب الاقتصادي ، في ظل المقاطعات الدولية والداخلية ، ويضيف اذا لم يحدث توافق سياسي واستقرار داخلي من الصعب حدوث معالجات اقتصادية .
ويرى خبراء اقتصاديون بان الاقتصاد مهدد بخطر الدخول في انكماش كارثي ربما يعيد معدلات النمو إلى ما دون الصفر في المائة، وذلك على وقع التراجع الكبير في الإنتاج وانخفاض قيمة العملة المحلية ، عقب انقلاب 25 أكتوبر ، وخلال الأشهر الستة التي أعقبت الانقلاب ارتفعت أسعار السلع في الأسواق بنسبة بلغت 60%، وذلك على خلفية قرارات حكومية بمضاعفة أسعار بعض الخدمات الأساسية وعلى خلفية انهيار أسعار صرف العملة المحلية وتدهور الاقتصاد ، وأرجع الخبراء أن أسباب ارتفاع التضخم ناتجة بسبب حجم الإصدار النقدي لتمويل عجز الموازنة ، بالاضافة لنقص الصادرات وزيادة حجم الاستيراد ، واعتبروا الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات أكبر مؤشر إلى التضخم المالي في البلاد”.