عقب إنخفاضه إلى 49 ألف برميل يوميا إنتاج النفط: من المسؤول؟

الخرطوم : عبد الرحمن صالح
بات قطاع النفط في البلاد على حافة الانهيار بعد نكبات متواصلة أصابت القطاع خلال السنوات الماضية ، وواجه قطاع النفط تحديات كبيرة، جراء عدم الاستقرار السياسي في البلاد خلال الفترة الماضية ، إضافة إلى تضاؤل الاحتياطيات ونضوب بعض آبار حقول النفط ، تراجع الانتاج النفطي بدأ منذ العام 2011 بعد انفصال جنوب السودان ، الامر الذي خلف عدة اشكالات في الشق الإقتصادي في البلاد ، لجهة أن مورد البترول كان هو الملاذ الأوحد لحكومة الانقاذ الذي اتجهت نحوه عقب تركها لدعم الانتاج الزراعي ، لتبدأ رحلة بحثها عن البترول في مواقع داخل السودان عقب انفصال الجنوب ، تدهور الانتاج النفطي استمر بعد سقوط حكومة الإنقاذ ، وفي ظل حكومة الثورة شهد الانتاج النفطي تراجعا مخيفا ، وتسببت عمليات الانفلات الأمني في انخفاض انتاج حقل بليلة في ولاية غرب كردفان من البترول .
وبحسب نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” فأن إنتاج النفط تراجع بصورة كبيرة منذ سقوط حكومة الإنقاذ وإلى يومنا هذا ، وأبان حميدتي خلال مخاطبته إفطار رمضاني بشرق النيل أن إنتاج النفط عند سقوط حكومة الانقاذ كان “120” ألف برميل في اليوم ، وانخفض إلى “58” ألف برميل في اليوم ، وقال اليوم إنتاجنا من البترول “49” الف برميل في اليوم ، ليبقى السؤال هل انخفاض الانتاج النفطي سوف يزيد فاتورة استيراد المواد البترولية في ظل عدم اهتمام الدولة بتوفيرها ؟ وما هو مصير الخطة التي وضعتها الحكومة السابقة قبل انقلاب 25 أكتوبر لزيادة وتطوير الانتاج النفطي في البلاد ؟
وفي منتصف العام الماضي أعلنت وزارة الطاقة والنفط السودانية ، عن خطة لزيادة إنتاج النفط في البلاد عبر ثلاث مراحل وقالت في بيان لها ، إن القطاع الاقتصادي في الحكومة عقد اجتماعا استعرض خلاله خطتها لزيادة إنتاج النفط من 55 ألف برميل إلى 75 ألفا يوميا كمرحلة أولى، لتحقيق الاكتفاء الذاتي للاستهلاك المحلي.
وأشار البيان إلى أن المرحلة الثانية من الخطة تستهدف زيادة الإنتاج من 75 ألفا إلى 105 آلاف برميل، والثالثة من 105 آلاف إلى 155 ألف برميل يوميا، على أن يتم تنفيذ هذه الخطة ما بين ثلاث سنوات إلى خمس سنوات بعد توفير التمويل اللازم لتنفيذها.
ويرى وزير الطاقة والتعدين السابق جادين علي أن تدهور وتراجع الانتاج النفطي في البلاد ، بسبب عدم حفر آبار جديدة للنفط ، ويشير إلى ان النفط من الثروات “الناضبة” اي بمعني أن الانتاج من اي حقل يقلل كمية الاحتياطي من البترول ، وينهي عددا من الآبار التي يتم الانتاج منها ، ويؤكد أن استخلاص النفط من الحقول يجب أن يتبعه استثمار فوراً ، في حفر آبار جديدة ، لتكون عمليات الانتاج مستمرة ومتزايدة ، ويشير جادين في حديثه لـ(الإنتباهة ) أنه خلال السنوات الثلاث الماضية ، ولأسباب سياسية واقتصادية وأمنية ، لم تتوفر الأموال التي تضخ لاستكشاف حقول نفطية جديدة “إضافية” ، ويؤكد أن عدم معالجة الآبار التي تنج النفط يؤدي إلى انخفاض انتاجها .
وكشف جادين عن وضع الحكومة السابقة برنامجا لزيادة الانتاج النفطي في البلاد ، وقال وضعنا خططا مدروسة ، وتكلفة مالية لها ، لزيادة الانتاج النفطي ، واضاف لكن حدث انقلاب 25 أكتوبر ، والخطة لم تر النور وتذهب للأمام ، وانتاج النفط قل ، ورهن ارتفاع الانتاج النفطي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ، وعدم اتجاه الدولة لاستيراد المشتقات البترولية ، بضخ أموال في الحقول النفطية في وقت يؤكد فيه جادين أن عددا من حقول النفط في دارفور وكردفان بها مشاكل من عدة جوانب ، وقال مشاكل الحقول النفطية منها جانب سياسي وجانب “فوضوي” ، وهي عوامل اقعدت بالانتاج النفطي خلال الفترة الماضية ، ويؤكد أن صناعة البترول تحتاج لبذل جهد وأموال حتى تنهض .
وتسببت عمليات الانفلات الأمني التي شهدها حقل بليلة في ولاية غرب كردفان في انخفاض انتاج البترول . وقال تجمع العاملين بالنفط في تعميم وقتها ان الانتاج تدهور خلال الاربعة أشهر الماضية وانخفض من 20272 برميلا في اليوم في 21 ديسمبر 2021 إلى 17652 في يوم 22 مارس 2022 بانخفاض بلغ2600 برميل في اليوم . وتشهد مناطق حقول النفط في ولايات كردفان ودارفور احتجاجات بين الفينة والاخرى تطالب بالتنمية والخدمات على الرغم من التزام شركات النفط بالمسؤولية المجتمعية في تلك المناطق.
في أبريل من العام الماضي اندلعت أولى شرارات الهجوم على حقول النفط عقب سقوط نظام الإنقاذ تسببت النقص في الانتاج نتيجة لاحتجاجات أهالي المنطقة ومطالبتهم بالتنمية مما أدى إلى توقف بعض الحقول لقرابة الثلاثة أسابيع.
وفي بدايات أغسطس الماضي أوقف الأهالي الإنتاج لساعات من حقل بامبو الذي يبعد 7 كيلومترات من منطقة هجليج النفطية وينتج ما يقدر بنحو 20%من جملة إيرادات النفط بالمنطقة قبل أن تتمكن السلطات من إعادة الإنتاج بعد التفاوض مع الأهالي. وخلال أغسطس من العام الماضي تحدثت تقارير صحفية عن ايقاف محتجين عمليات انتاج النفط بحقل المزروب 120 كيلو مترا شرقي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور واحتجزوا الآليات الثقيلة لشركة بترو أنرجي المنتجة للنفط في الحقل. وجاءت الخطوة احتجاجاً على عدم تنفيذ شركات النفط بشرق دارفور التزاماتها تجاه المجتمع المحلي بتقديم خدمات في مجالات الصحة والمياه والتعليم، بالإضافة الى توظيف شباب المنطقة، ومعالجة التلوث البيئي الناجم عن مخلفات إنتاج البترول.
وفي مارس الماضي اغلق شباب مناطق سفيان وشارف وأبو جابرة حقول البترول وطالبوا الشركات بتقديم مشروعات خدمية في المناطق المجاورة للحقول في بند المسؤولية المجتمعية. وتوجد بولاية شرق دارفور خمسة حقول للنفط اهمها شارف وسفيان وتنتج جميعها حوالي 20 ألف برميل في اليوم.
أما بالنسبة لوكيل وزارة الطاقة السابق حسين محمود فأن تدهور انتاج النفط سببه الرئيسي الحكومة ، لجهة انها تعمل على سحب النفط ، ولا تعمل على تطوير الآبار ـ حد قوله ـ ، ويؤكد أن زيادة الانتاج النفطي ، تعتمد في المقام الأول على ضخ الأموال في الحقول ، ويجزم بأن عدم صرف الأموال على آبار النفط ، يقلل من انتاجيتها ، ويشير حسين في حديثه لـ(الإنتباهة) الى أن مشكلة تدني وتدهور إنتاج النفط في البلاد ، مالية في المقام الأول ، في وقت يؤكد فيه أن الاحتياطي النفطي للبلاد كبير جداً ، ويحتاج الى أموال كي يخرج ، ويضيف قائلاً :” احتياطي النفط في البلاد يقدر بـ”5″ ملايين برميل ، ولكن أين الأموال التي تخرج هذا الاحتياطي ، ويؤكد حسين أن استجلاب الحكومة لدولة تستثمر في مجال النفط ، يمكنها أن تستخرج هذا الاحتياطي ، ويقول ان دولة الصين فقدت الثقة في الحكومة ، لان مديونياتها اصبحت كثيرة جداً ، ويشير الى أن مديونيات الصين على الحكومة بلغت مليارات الدولارات ، ويؤكد أن مخرج البلاد الاستثمار في النفط .
لتنفيذ الخطة لزيادة الانتاج تحتاج الحكومة الى (559) مليون دولار لزيادة الإنتاج للوصول لمسافة تقارب من سعة مصفاة الجيلي الإنتاجية
ويرى خبراء اقتصاديون ان مشكلة تدني انتاج النفط ليست بسبب انفصال الجنوب وحده ، واشاروا الى وجود عدة عوامل أخرى اثرت على الانتاج النفطي ، وأكدوا أن اهم الأسباب تكمن في شح النقد الاجنبي في البلاد ، بالاضافة الى عدم قدرة وزارة المالية على توفير التمويل اللازم لصيانة وحفر آبار جديدة في الحقول النفطية ، فضلا عن إحجام الشركات الأجنبية الكبرى العاملة في مجال استخراج واستكشاف النفط في البلاد ، وأوضحوا أن أبرز التحديات التي تواجه قطاع النفط تتمثل في التمويل واجراءات تهدف لرفع إنتاج البلاد النفطي خاصة وان البلاد تتمتع بثروات نفطية تفي بحاجة البلاد وتزيد . ويؤكد الخبراء ان المساحة التي خضعت لعمليات استكشاف لا تمثل سوى ربع المناطق التي بها شواهد نفطية ، واكدوا ان الكثير من المناطق في البحر الاحمر والصحراء في الشمال الغربي والجزيرة توجد فيها شواهد نفط وغاز تحتاج الى استثمارات ضخمة وشركات ذات باع طويل وتاريخ وقدرة على العمل في المناطق الصعبة، وهو ما قطعوا بانه لن يتوفر إلا في حال وضع اجراءات ضرورية لمستقبل الصناعة النفطية بالبلاد .
بدأ إنتاج النفط في السودان في العام 1999، ونتيجة لذلك، تضاعف دخل الفرد 3 مرات في غضون عقد من الزمان، مع اعتماد الاقتصاد أساسًا على الخام. ونما إنتاج النفط بسرعة، خاصة بعد العام 2005، ليصل إلى ذروته عند 483 ألف برميل يوميًا عام 2007، وظل بالقرب من هذا المستوى حتى عام 2010.
واتخذ إنتاج النفط في البلاد مسارًا هبوطيًا منذ انفصال جنوب السودان، إذ إن معظم حقول النفط تقع في الأخيرة، بيد أن حقول الخام اقتربت من النضوب. وفي 2020، تراجع إنتاج الدولة الأفريقية من الخام بأكثر من 12%، ليصل إلى 86 ألف برميل يوميًا، مقارنة مع 291 ألف برميل يوميًا عام 2011، بحسب بي بي سي. وفي 2021، أعلن السودان خطة لرفع إنتاج النفط عبر 3 مراحل، لتحقيق الاكتفاء الذاتي للاستهلاك المحلي، مع توقعات أن تستغرق الإستراتيجية من 3 إلى 5 سنوات بعد توفير التمويل اللازم. وتستهدف الدولة زيادة إنتاج الخام بنحو 10 آلاف برميل يوميًا في المرحلة الأولى، ثم إلى 105 و155 ألف برميل يوميًا في المرحلتين الثانية والثالثة على التوالي.
وبلغ إجمالي إنتاج النفط في السودان وجنوب السودان معًا نحو 227 ألف برميل يوميًا بنهاية 2021، وفق بيانات مجلة أويل آند غاز.