مسابقة عيون الشباب على التنمية

الخبير القانوني الطيب العباس لـ(الإنتباهة): تشريع قانون يجرم الإساءة لقيادات الدولة والمساس بهيبتها يعتبر جهلاً تشريعياً فاضحاً

هذا فكر شمولي ضيق وحتى النظام السابق لم يأتِ بمثل هذا الأمر
ما يدعو إليه التشريع المرتقب أمور ووسائل حسمها القانون الجنائي السوداني
الأجهزة العدلية ستكون في مهب الريح حال صدور قانون مثل هذا
المواطن ورجل الدولة مهما علا شأنه فإنهما جميعاً سواسية أمام القانون

* عد الخبير القانوني الطيب العباس تشريع قانون يجرم الإساءة لقيادات الدولة والمساس بهيبة الدولة جهلاً تشريعياً فاضحاً.
واعتبر في ذات الوقت القانون فكراً شمولياً ضيقاً لم يأت به حتى النظام السابق، مؤكداً ان ما يدعو اليه التشريع المرتقب أمور ووسائل حسمها القانون الجنائي السوداني.
وشدد العباس في هذه المقابلة مع (الانتباهة) على ضرورة معرفة أن المواطن ورجل الدولة مهما علا شأنه فإنهما يعتبران جميعاً سواسية أمام القانون، موضحاً أن التجريم في مثل هذه الأبعاد حق مكفول لأي مواطن، وليس هناك تمييز لرجل الدولة حتى يجد حصانة في هذه الإجراءات بخلاف غيره من المواطنين.
ورأى في السياق نفسه أن هذا القانون يعتبر مخلاً بالقيم والأخلاق والوجدان القانوني السليم، كما يعتبر تضييقاً للحريات وما يرد في الميديا لكشف الفساد الموجود.
وتابع قائلاً انه للأسف الشديد القانون يعتبر كبتاً للحريات والإعلام، فضلا عن ان الأجهزة العدلية ستكون في مهب الريح حال صدور قانون مثل هذا، وستجد نفسها تعمل على تأطير وحماية نظام شمولي يسعى لوجود غطاء لحماية المسؤولين المفسدين والذين يسعون لوأد الثورة المتمثلة في شعاراتها الثلاثة الحرية والسلام والعدالة.. فإلى مضابط المقابلة:
حوار: هبة محمود
* كشفت مصادر صحفية امس عن مشروع قانون مرتقب يجرم الإساءة لقيادات الدولة والمساس بهيبتها، ويعاقب كل من ينشر أو يقوم بتوزيع مقاطع صوتية أو مصورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تستهدف النيل من القوات المسلحة والأمن والقوات النظامية الأخرى وقادتها، فمن ناحية قانونية وفي ظل وجود قانون جنائي هل يستقيم وجود قانون كهذا؟
ــ هذا القانون للأسف الشديد يتنافى والقانون الجنائي الذي ينص على هذه التجريمات. والقانون الجنائي ينص على الكذب الضار وإشانة السمعة والادلاء بمعلومات ضارة والتقليل من هيبة الدولة، وهذا كله موجود منذ عام ١٩٩٨م.
* هل تم تغيير بعض التشريعات في القانون الجنائي منذ ذاك الوقت؟
ــ لا.. كل هذه المواد ظلت ثابتة ومتواترة في صلبه.
* إذن في أي سياق يقرأ تشريع قانون مثل هذا في وجود مواد محسومة منذ عام ٩٨؟
ــ نعم هذه أمور ووسائل حسمها القانون الجنائي السوداني، وإذا كان هناك أي مساس بالمواطن السوداني يتم العقاب بواسطة القانون الجنائي.
* هل يختلف رجل الدولة في القانون عن المواطن، وهل تختلف المؤسسات الأمنية والنظامية عن غيرها؟
ــ لا، وعلينا ان نعلم أن المواطن ورجل الدولة مهما علا شأنه فإنهما جميعاً سواسية أمام القانون، والتجريم في مثل هذه الأبعاد حق مكفول لأي مواطن، وليس هناك تمييز لرجل الدولة حتى يجد حصانة في هذه الإجراءات بخلاف غيره من المواطنين.
* إذن هذا حق مكفول للكافة؟
ــ نعم.. حق مكفول للكافة في ما يتعلق بالإجراءات في الإساءة والكذب الضار واشانة السمعة والتقليل من هيبة الدولة الى آخره. وهذا أمر موجود بأمر القانون الجنائي.
* دعني اكرر لك سؤالي حول المغزى من هذا القانون؟
ــ استطيع أن اقول إن من يحملون هذه الرؤية للأسف الشديد يفتقرون لابسط مقومات التشريعات.
* يعني يمكن القول إن التشريع المنتظر هذا يعتبر مخالفاً للقانون؟
ــ نعم مخالف ومخل للقيم الإنسانية ومخالف لمفهوم (الناس سواسية أمام القانون)، والشريعة الإسلامية نصت على ذلك وكذلك القوانين، وبالتالي تمييز الجهات الحكومية على اساس أن تجد لنفسها حصانة بموجب قوانين، وانا اعتقد انه ترسيخ وتأطير لمفهوم الشمولية.
* ألا يدخل هذا في بند التضييق على الحريات ايضاً؟
ــ نعم.. تأطير للشمولية وفي ذات الوقت يعتبر تضييقاً على الحريات، فهذا فكر شمولي ضيق في أفقه وفهمه، وحتى النظام السابق لم يأت بمثل هذا الامر. وهذا قانون مخل بالقيم والأخلاق والوجدان القانوني السليم، كما يعتبر تضييقاً للحريات وما يرد في الميديا لكشف الفساد الموجود. ونحن الآن نعيش في دولة تنعدم فيها المؤسسات الدستورية، سواء كانت محكمة دستورية او أجهزة عدلية او مفوضيات فساد وغيرها، ولذلك نكون في حالة انعدام وجود مؤسسات دستورية وعدلية بهذا الفهم، والخروج بقانون بهذا الفهم فأنا اعتقد انه استغلال للنفوذ وحماية للفساد وتأطيره.
* خلاصة الأمر يمكن القول انه لا حاجة لمثل هذا التشريع؟
ــ نعم.
* من المعروف أن القضاء جهة قائمة بذاتها ومحايدة، فهل تشريع مثل هذا يضعها في خانة التسييس، سيما في وجود قانون جنائي ينص على كل ما يذهب اليه التشريع؟
ــ هذا يعتبر غطاءً لحماية المسؤولين وعدم كشفهم (عايزين يخلقوا جدار سميك لحماية الفاسدين في السلطة)، وفي ذات الوقت التشريع فيه استهداف واضح للمعارضة التي تناهض انقلاب (٢٥) أكتوبر، وفيه للأسف الشديد ــ كما ذكرت ــ كبت للحريات والاعلام، وستكون الأجهزة العدلية في مهب الريح حال صدور قانون مثل هذا، وستجد نفسها تعمل على تأطير وحماية نظام شمولي يسعى لوجود غطاء لحماية المسؤولين المفسدين والذين يسعون لوأد الثورة المتمثلة في شعاراتها الثلاثة الحرية والسلام والعدالة.
* هذا القانون أليس من شأنه تعطيل مسار التحول الديمقراطي الانتقالي؟ والآن البرهان يتحدث عن تهيئة مناخ ودعوات للحوار؟
ــ نعم بالتأكيد يعطل مسار التحول الديمقراطي، وهذا بخلاف أننا كنا نتحدث عن تأسيس دولة القانون، وهذا القانون يتنافى مع مفهوم دولة القانون التي كنا ننشدها.
* استنكر كثيرون القانون وعدوه جهلاً قانونياً في ظل وجود القانون الجنائي؟
ــ هذا جهل تشريعي فاضح وليس جهلاً فقط.
* المصادر تحدثت عن (تشريع قانون)، وهنا يأتي الحديث عن الجهة التي من شأنها التشريع في ظل غياب البرلمان وعدم وجود حكومة؟
ــ بالضبط.. ليس هناك برلمان او محكمة دستورية لأبطال هذا القانون، لأنها تعتبر صاحبة الحق في ابطال القوانين والتشريعات المخالفة للقيم الإنسانية التي نصت عليها المواثيق الدولية. وهذا استغلال من قبل الانقلابيين وحماية لهم في ظل الجرائم التى ارتكبت في حق الوطن والمواطنين. وهناك قضايا كثيرة جداً الآن تعتبر قضايا رأى عام ولا بد للأجهزة الإعلامية من تناولها، وكذلك للمتضررين من هذه الجرائم أن يتناولونها وهذا حق مشروع.

اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب
زر الذهاب إلى الأعلى