غاندي معتصم يكتب: أقلب الصفحة (3)

غاندي معتصم
لعل من غير المختلف حوله أن استمرار عجز النخب الحاكمة فى الايفاء بمطلوبات البرامج السياسية والاقتصادية لم يكن إلا نتاجا طبيعا لفشل هذه النخب فى مخاطبة الجماهير بحقائق وطبيعة العقبات المسكوت عنها….لنأخذ مثالا على ذلك الحصار الاقتصادى المفروض على البلاد والذى بدأت تتبلور ملامحه منذ آماد بعيدة أعقبت زيارة جورج بوش (الأب) للبلاد منتصف ثمانينات القرن الماضى وقد كان حينها نائبا للرئيس رونالد ريجان…..كان ذلك الحصار فى ذلك الوقت المبكر نتاجا طبيعيا لصراع المحاور للسيطرة على دولة تماثل قدراتها امكانات الدول العظمى ؛ وقد أكد بوش على ذلك من الخرطوم وهو يقول: This is America of The Coming Centiory ليفضى ذلك الصراع فى نهايته الى غياب جعفر النميرى عن المشهد السياسى.
تواصل الحصار الاقتصادى على السودان إبان الديمقراطية الثالثة ولم يشفع للسيد الصادق المهدى صعوده لرئاسة الوزارة عبر انتخابات حرة ونزيهة ؛ بل أن الحصار بلغ أقصى ذروته فى ثوبه الاقتصادى والعسكرى خلال تلك الحقبة.
حقبة الانقاذ كما هو معلوم واجهت حصارا معلنا ومشهودا فى كل الجوانب ؛ ولم يعد خافيا أن الإستناد على زخم الثورة وبراءة عيون شبابها لكسب ود المحيط الاقليمى والدولى كان تقديرا فطيرا لم يستوعب المتغيرات الاقتصادية وبند المطلوبات الدولية Keep Sudan Busy
هنالك سؤال هام مطروح على طاولة الأحداث: أن هل حانت لحظة قطف ثمرة السودان !!!!
للاجابة على هذا السؤال لا مناص من فك شفرة طريق الوصول الى الغايات:
أولا أن الاستثمارات الكبرى لن تطرق أبواب الدول غير المستقرة سياسيا ولا يمكن بناء شراكات كبرى Mega Projects فى ظل حكومات انتقالية؛ وعليه يجب أن يدرك الراكبون سروج السياسة تحت صيحات الجماهير عظم المسؤولية الواقعة على أكتافهم لإعلاء لغة السلام والنماء بدلا عن تدوير آلة الحرب والدمار ؛ وهنا مكمن أزمة النخب السياسية الخالية من التجارب العملية.
ثانيا على النخب والحركات السياسية والعسكرية المتطلعة للحكم أن تدرك أن صياغة “المشروع الوطنى” يمثل حجر الزاوية لمخاطبة صداقة العالم ومخاطبة قضايا الجاهير الملحة فى توفير سبل العيش الكريم ؛ ولا غرو أن ذلك يمثل الضامن الأكبر لصياغة أولويات الدولة السودانية حتى لا تقع فريسة سهلة لاستراتيجيات الآخرين.
كما يجب على النخب المتصارعة لحكم البلاد ألا تتجاهل فطنة هذا الشعب العتيق واختبار مدى صبره وقوة احتماله فى سعيها لبلوغ أهدافها ؛ بل عليها أن تعترف بأن السودان دولة مؤثرة جغرافيا (إفريقيا وعربيا) وأن ذلك يمثل مصدر تجاذبات مراكز القوى الاقليمية والدولية و أن السبيل الى عبور تلك التجاذبات لن يتأتى إلا من خلال أفكار وبرامج “منتجة” تستوعب المطلوبات الدولية مع القدرة لعمل إختراق للجمود المتواصل لقضايا الحصار وهذا أمر متاح فى عالم اليوم ولكن تعوزه معارف وخبرات تطبيقية حيث لن تجدى تطمينات حسن النوايا نفعا لبلوغ تلك الغايات المرجوة.
يأتى فوق كل ذلك المسؤولية المنوطة بالشباب لحماية مستقبل الدولة السودانية وذلك عبر تجاوز حالة الاحباط الراهن والنهوض مجددا لاستعادة زمام المبادرة ؛ والتنادى للتواثف على المشروع الوطنى لاستعادة التلاحم الذى أفضى الى نجاح ماراثون الثورة ؛ وتقع علينا جميعا مسؤولية نبذ عراك الأسافير الخالى من المضمون لأن هذا التشاكس يمثل أعظم ثغرات قعود الدولة السودانية عن بلوغ غاياتها ؛ بل أن ذلك يمثل الخطر الأعظم على صيانة مستقبلها.
وعليه اذا لم تتعقل نخب السياسة السودانية لتبادر بالاجابة على السؤال الكبير: أن هل حان ميقات قطف ثمرة السودان عبر برنامج توافق وطنى !! فستأتى الاجابة من مجلس الأمن بكلفتها السياسية العالية فى هذه اللحظة المفصلية وسيكون ذلك بمثابة الفشل الأخير للنخبة السودانية.