طرح فئة (1000) جنيه…هل هي كارثة اقتصادية جديدة ؟؟

الخرطوم: مروة كمال
أكثر من ثلاثة أعوام ظل البنك المركزي يعلن طرح فئة الألف جنيه بيد انه يتراجع عن الخطوة دون توضيح الاسباب التي قادته الى التراجع مثلما بينها عند عزمه القرار الذي كانت اسباب الاصدار تختلف كل عام ،وبالامس أعلن المركزي السوداني، عن طرح ورقة نقدية جديدة فئة 1000 جنيه، ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن البنك المركزي قوله، إن إصدار فئة 1000 جنيه جاء استناداً إلى سلطات البنك المركزي واختصاصاته ومسؤولياته في حماية العملة الوطنية واستقرار سعر صرفها (..)”.
ولعل السبب وراء اول اعلان لشروع البنك المركزي لاصدار فئة الالف جنيه عقب مرور يومين اعتصام الثوار بمنطقة القيادة العامة وفي التاسع من ابريل من العام 2019م من داخل قبة البرلمان لحل مشكلة شح السيولة التي بدأت مطلع العام 2018 بسب الارتفاع غير الطبيعي في حركة السحوبات النقدية، وتوقع المركزي وقتها دخولها حيز التداول خلال شهر يوليو المقبل بغية المساعدة في مقابلة الطلب بأقل عدد من الأوراق المالية.
وقال محافظ البنك حينها حسين يحيى جنقول إن جملة الأوراق النقدية التي أصدرت منذ مطلع عام 2018 وحتى نهاية مارس الماضي من ذات العام نحو 34.3 مليار جنيه.
ولكن استبقت حكومة الفترة الانتقالية التي تقلدت زمام الحكم عقب الاطاحة بحكم البشير موعد المركزي المضروب لطرح الفئة ليعلن في الثالث والعشرين من يونيو من العام 2019م في بيان له طرح فئة نقدية جديدة من العملة السودانية بقيمة 1000 جنيه بما يعادل (22 دولار).وقال البنك في بيان صحفي، “أصدرنا عملة جديدة بقيمة 1000 جنيه تحمل علامات تأمينية سيغلب عليها الزراعة واللون الأزرق بعلامة مائية بصقر الجديان ورقم 1000″،سبقها في طرح الحكومة العدد من الفئات الجديدة بقيمة (100، 200، 500) جنيه في محاولة منها لحل شح الأوراق النقدية الذي تعاني منه البلاد منذ عامين. بجانب أزمات في الخبز والطحين، والوقود والأوراق النقدية، نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه في الأسواق الموازية (غير الرسمية)، إلى أرقام قياسية تجاوزت 65 جنيها مقابل الدولار الواحد لكن دون ان ترى النور.
وفي مطلع يونيو من العام الماضي سادت وسائل التواصل الاجتماعي صورا لفئة الالف جنيه يتم طرحها خلال ايام من العام الماضي ولكن سرعان ما سارع بنك السودان المركزي بنفي ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي حول اعلان مفاده إصدار البنك المركزي ورقة نقدية جديدة من فئة الألف جنيه سوداني.
وأكد المركزي عدم طرحه لهذه الفئة للتداول، علما بأن الاعلان الذي تم تداوله فى وسائل التواصل الاجتماعي هو اعلان قديم لفئة الألف جنيه نشره بنك السودان المركزي فى الصحف منذ شهر سبتمبر من العام ٢٠١٩م،واعتبرها بالشائعات المغرضة.
وبحسب البنك المركزي فان أكثر من 90% من حجم الكتلة النقدية تتداول خارج الجهاز المصرفي ويقول الاستاذ الجامعي بروفيسور ابراهيم اونور ان الخبراء طالبوا الحكومة منذ وقت مبكر بتغيير العملة بدل من طباعتها لمعالجة تداول جزء كبير من العملة خارج الجهاز المصرفي واستخدامها في المضاربات بالدولار والسلع والمحاصيل، واكد لـ(الانتباهة)طباعة عملة جديدة بفئة كبيرة ستكون مشجعة على التزوير لجهة انها تكون مربحة بشكل كبير لمن يقوم بالتزوير بدلا من تزييف فئات صغيرة، جازما في حال استمر الوضع على ماهو عليه من انعدام الرقابة والضوابط داخل وخارج البنوك سوف تكون جميع فئات العملة المتداولة بين المواطنين مزورة خلال عام او عامين.
واشار الى ان الإيجابي في طباعة عملة ذات فئة كبيرة بانها تكون مريحة للمواطن والبنك بدلا من حمل النقود في جوالات مثل ما يحدث حاليا.
وكشف ان الغرض من طرح فئة الألف جنيه وادخالها في الاقتصاد لسد العجز في تغطية المرتبات ومشتريات الدولة التي تشهد تزايدا مستمرا في النفقات في ظل عجز الإيرادات،وتوقع زيادة في معدلات التضخم عقب طرح فئة الالف جنيه.
والشاهد ان طرح فئة الألف جنيه خلال أيام يأتي في ظل تدهور مريع للعملة والوطنية عقب تعويم الجنيه حيث يبلغ صرف الدولار اليوم 570 جنيها، مقارنة مع 375 جنيها عند التعويم الجزئي في فبراير 2021، صاحبه نقص حاد في الايرادات عجزت فيه المالية عن تغطية مرتبات شهر مايو.
وبدوره يؤكد الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي ان إصدار أي كميات نقدية إضافية من أجل تغطية النفقات العامة للدولة حيث لا يتوافر للدولة إيرادات ومصادر كافية، وبالتالي تقوم بطباعة العملة من أجل تمويل نفقاتها. أي ان ضخ النقود وبكميات إضافية لن تجد مقابلها من السلع والخدمات، تعمل على زيادة الكتلة النقدية المعروضة بشكل أكبر والتي سوف تطارد حجماً محدوداً من السلع والخدمات ما سيؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
واشار لـ(الإنتباهة) أن التضخم المنفلت في أي دولة يتسبب في فقدان القيمة الورقية جزءا من قيمتها ومنفعتها في السوق، ما يحمل البنوك المركزية إلى طباعة عملات بقيمة أعلى لتقليل حجم الأوراق النقدية المستخدمة في الشراء لذا تتحفظ البنوك المركزية في إصدار العملات ذات القيمة المرتفعة مقارنة بالأوراق المتداولة، كما تتحفظ أيضا على إصدار عملة ورقية بقيمة مرتفعة لأسباب مرتبطة بالحماية،وشدد على أهمية إعداد دراسات واقعية ترصد مدى احتياج السوق للعملات سواء بفئات كبيرة أو صغيرة،مبينا أن إصدار العملات سواء معدنية أو ورقية عملية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار عوامل عدة مختلفة منها قوة الاقتصاد والقدرة الشرائية وكذلك التوجهات العامة المتعلقة بتشجيع التعاملات الإلكترونية على حساب الورقية.
وأكد فتحي أن التضخم يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإلى انخفاض قيمة النقود، وارتفاع الأثمان مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج ومن ثم أسعار الصادرات وبالتالي إعاقتها، وإلى انخفاض القيمة الخارجية للعملة الوطنية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع سعر الواردات،وأضاف ان من أهم آثار التضخم إساءته إلى توزيع الثروة ، وهذه الآثار تشكل ما يعرف عموما باسم “العبء الاقتصادي للإصدار الجديد”، وهو عبء يترتب عليه أمور بالغة الخطورة، خصوصا وأن الإصدار النقدي عملية مغرية وسهلة، مما يؤدي إلى انهيار قيمة العملة واختلال التوازن النقدي.
فانخفاض القوة الشرائية للجنيه وارتفاع المستوى العام للأسعار ولا سيما انخفاض الجنية السوداني مقابل العملات الأجنبية أدى إلى زيادة سرعة دوران النقود من الفئة الورقية الصغيرة من الفئات العلي مما أدى إلى تلفها واهترائها.
ونوه الى ان إضافة الإصدار النقدي الجديد لما هو معروض من نقد، عن طريق تمويل الموازنة العامة “التمويل بالعجز” فإن ذلك سيؤدي حتماً إلى المزيد من انخفاض القوة الشرائية للجنية السوداني وتآكله، وبالتالي ارتفاع معدل التضخم.
بيد ان الخبير الاقتصادي د .وائل فهمي يقلل من حجم التأثير السلبي للفئة النقدية الجديدة ويؤكد انه لايوجد اي تأثير على طرح فئة الألف جنيه،وقال لـ (الإنتباهة) ان تأثيرها مثل تأثير فئة الـ 500 جنيه عندما تمت طباعتها ،مؤكدا انها تعمل على ازالة التضخم وتمكن المواطن من دعم ضغط الأسعار،لجهة ان التضخم يتأثر بكمية النقود وليس فئات النقود،ورهن تخفيض التضخم بتقليص كمية النقود،جازما بان الفئة الجديدة تعمل على تقليل كمية السحب من البنوك.
ويتهم عضو اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير محمد نور كرم الله البنك المركزى السوداني بالعودة إلى سياساته السابقة في ظل عهد الانقاذ البائد، وهو ضخ مزيد من الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي وزيادة الأصفار على يمين العدد بدلا من تنقيصها وتحجيمها في الاتجاه العكسي ،، وكذلك المزيد من سياسة السحب بالسالب من النظام المصرفي متعديا سقف الـ٨٠% من إجمالي سقف التمويل المسموح على حساب القطاع الخاص ودعم الاستثمار الأصغر..
جازما لـ(الإنتباهة) بان مثل هذه السياسات النقدية تترك آثارا سالبة فى إضعاف قدرة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية وبالتالي رفع الأسعار وزيادة نسبة التضخم نتيجة زيادة الكتلة النقدية مقابل شح في انتاج السلع والخدمات،مؤكدا ان طرح فئة الألف جنيه يعني مزيدا من السير في اتجاه إضعاف الجنيه، وتشجيع تزوير العملة وزيادة الكتلة النقدية خارج النظام المصرفي.
داعيا الى تيسير السياسات النقدية تجاه تقوية الجنيه السوداني أمام العملات الحرة وذلك بحشد الموارد تحت مظلة وزارة المالية وبناء احتياطات نقدية أجنبية ومخزون من الذهب لدى بنك السودان وعمل إصلاحات كبيرة في الهياكل الاقتصادية.