قطوف.. د. خالد لورد: رسائل من الشهداء .. دم الشهيد ما راح

بسم الله الرحمن الرحيم
تؤكد مجريات التاريخ البشري أن القضية التي نضحي بها تضيع ويكون مصيرها الزوال، في حين أن القضية التي نضحي لأجلها يكون مصيرها الاستمرار والنجاح، ولو بعد حين. وأثبت التاريخ أيضا أن أعظم تضحية تكون بالمال والنفس، وهذا ما جاد به كثير من السودانيين على مر التاريخ ليبقى السودان. فقد شهد التاريخ تقديم السودانيون التضحيات النفيسة في محاربة الغزاة منذ فجر الحضارة النوبية القديمة، مرورا بكرري التي مازالت تقف شاهدا حيا على شجاعة السودانيين وتضحيات أنصار الإمام المهدي، وشهداء الحروب والصراعات المختلفة في الشرق والغرب والشمال، وكذلك الجنوب الذي شهد لشيبة وشباب البلد وقدرتهم على الزود عن الدين والعرض والوطن، وصولا إلى شهداء ثورة ديسمبر الشعبية المجيدة.
إن الدماء التي تسيل والأوراح التي تصعد إلى بارئها إنما تغذي جذوة الثورات لتستمر، وكلما زادت التضحيات كلما ازدادت الجذوة اشتعالا، وعبئت الشارع بروحها، لتحافظ على استمرارية الثورة حتى تحقق أهدافها.
في حالات الانفلات والاضطراب التي تسبق نجاح الثورة وبلوغها مراميها، تقع بعض التجاوزات التي قد تتسبب في إزهاق الأوراح. وهنا نقول إنه لا بد من تحقيق العدالة بتقديم كل متجاوز للقانون ليأخذ مجراه. مع التأكيد التام على ضرورة الالتزام بسلمية الثورة واتباع منهج اللاعنف.
ولكني أعتقد أنه لا يجب علينا أن نتوقف عند محطة تحقيق العدالة فقط، فهذه مهمة ستنجز، عاجلا أو آجلا، من قبل الجهات المختصة وبحكم القانون بإذن الله. وهنا يطرح السؤال نفسه: ثم ماذا بعد؟ هل إنفاذ أمر القانون فيمن أجرم بحق
الشهداء هو نهاية المطاف، وهل ذلك هو الشئ الذي من أجله خرجت الجموع و ضحى الشهداء؟؟؟
أحسب أن الأمر أكبر من ذلك بكثير، وأن الأهم من ذلك أن ننظر إلى قناعات ودوافع أصحاب هذه الدماء الطاهرة للخروج والمواجهة على مر تاريخ السودان وليس إنتهاء بثورة ديسمبر الشعبية المجيدة.
هل نعتقد إن الذين استشهدوا على مر التاريخ إنما فعلوا ذلك ليأتي من خلفهم ليطالب بالقصاص لهم، أحسب أنهم إنما فعلوا ذلك وقدموا أرواحهم
رخيصة متجاوزين ذواتهم لأجل الدين والوطن والعرض، ولأجل وطن أكبر وأوسع وأفضل للجميع. هناك من
ضحى ولم يجد من يقتص لهم، فهل نقول إن حقوق هؤلاء قد ضاعت، أو إن دمائهم قد سالت بدون مقابل؟ كلا وألف كلا، فهناك الواحد الديان سبحانة وتعالى الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة! إن الأمر أعظم من أن نتجمد وقوفا عند محطة القصاص، الأمر أمر وطن وليس مدينة، أمر أمة ولي افراد، أمر مستقبل قبل أن يكون أمر ماضي أو حاضر، وهذه قضية جليلة سامية بذل فيها غيرنا الأوراح حتى نصل إلى هذه المرحلة المتقدمة التي نقف فيها اليوم، أمام منصة الانطلاق متوثبين نحو بناء الوطن الشامخ الذي نحلم به، وطن العزة، والكرامة، والتنمية، والسلام، ودولة القانون، وطن حدادي مدادي يسع الجميع.
هناك الكثير من الدول التي حرصت على تحقيق الأهداف التي ضحى من أجلها الكثير من مواطنيها، فبنت دول قوية تقوم على تحقيق العدالة والتنمية والسلام والاستقرار، تسع كل مواطنيها دون استثناء باختلاف ألوانهم السياسية وإثنياتهم وأفكارهم ولغاتهم ولهجاتهم. وأكبر مثال على ذلك في تاريخنا الحديث تجربة أوروبا التي عانت من ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية. وسعت بعد الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة حوالي ستين (60) مليون شخص، إلى تجاوز كل مرارات الماضي والتعاون مع الدول التي كانت بالأمس في مصاف الأعداء لتحقيق الأمن الجماعي وبناء مستقبل مشترك.
وها نحن اليوم شهود على نجاح تجربة الاتحاد الأوروبي الذي أصبح أحد أكبر الفاعلين في السياسة الدولية، ومن أكبر الكتل الاقتصادية في العالم، وتنعم شعوبه، تلك التي كانت متشاكسة ومتحاربة ومتناحرة بالأمس، بالرفاهية والاستقرار والتنمية اليوم.
ونحن أيضا قادرون بإذن الله على تجاوز كل مرارات الماضي والحاضر والعمل على وبناء سودان قوي وارسخ يسع الجميع.
لا شك إن الشهداء هم أفضل منا جميعا، وأحسب أن الذين اصطفاهم الله سبحانه واختصاهم بالشهادة، إنما هو تكريم لهم، فالشهيد كما قيل يشفع في والديه وسبعين من أهله. الشهيد، حين خرج إلى سوح القتال، والى الشارع مناضلا ومنافحا عن
حقوقه، إنما فعل ذلك زودا عن الدين والوطن والعرض، وليعيش الوطن والمواطن
في أمن، ولتتحقق العدالة والسلام والاستقرار والتنمية.
رسالة الشهداء لنا جميعا أن نعتبر من الماضي، من تجربة الاستقلال الذي جاء عسيرا قبل أن نفتقد التجربة الديمقراطية الأولى، وتطورت الاوضاع حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم!
ورسالة الشهداء لنا أن نتعظ،
ونترفع، ونتجاوز، ونتعاون، ونتكاتف لبناء الوطن الذي يسع الجميع!
رسالة الأرواح الطاهرة التي صعدت إلى ربها، والدماء الشريفة التي سالت أنهارا، ليس فقط خلال ثورة ديسمبر، بل منذ أمد تاريخ السودان، تفرض علينا أن نوحد صفوفنا، وأن نضع أيدنا فوق أيدي بعض، وأن نتجاوز الصغائر، ونتعاون لبناء وطن خير ديمقراطي، تسوده العدالة، والأمن، وينعم فيه المواطن بالسلام والاستقرار والتنمية والكرامة والرفاهية.
رسالة الشهداء لنا جميعا أن نحقق السلم الاجتماعي الذي هو أساس كل دولة قوية، وأن ننشر ثقافة السلام، وننبذ العنف، ونحل مشاكلنا بالوسائل السلمية، وأن نتبع منهج اللاعنف.
رسالة الشهداء لنا أن نؤسس لدولة قوية تحمي حقوق الضعيف قبل القوي، وتسهل التعليم للجميع، وتهتم بتوفير الرعاية الصحية، والمياه الصالحة للشرب والكهرباء لكل فئات المجتمع.
رسالة الشهداء لنا أن نستكمل عملية التحول الديمقراطي وصولا إلى صناديق الاقتراع، وأن نحافظ على ديننا، ونبني وطننا، ونصون عرضنا، ونحمي حدودنا.
رسالة الشهداء لنا أن نتناصر ونتناصح ونتضافر ونتكاتف ونتعاون بروح الأخوة في الدين والوطن والإنسانية.
رسالة الشهداء لنا أن نبني وطنا قويا متطورا تحفظ فيه الأنفس وتصان فيه الأرواح وتؤدى فيه الحقوق والأمانات، وينصر فيه المظلوم، وطن يسع الجميع، وطن ينعم بالسلام والاستقرار والتنمية والرفاهية يتعدى خيره لجيرانه، وليسهم بقوة وإيجابية في تحقيق السلم والأمن الدوليين.
رسالة الشهداء لنا أن:
دم الشهيد ما راح
فالدم قصاد الديمقراطية..
والدم قصاد السلام.
والدم قصاد الاستقرار.
والدم قصاد التنمية
والدم قصاد وطن خير يسع الجميع.
والدم قصاد وطن شامخ.. وطن عالي وطن حدادي مدادي ديمقراطي يسع الجميع.
رسالة الشهداء لنا جميعا أن نحقق السلام والاستقرار والتنمية والرفاهية في وطن يسع الجميع!
قطفة اخيرة: رسالة الشهداء لنا جميعا: “أبقوا عشرة على البلد”.