مكي المغربي يكتب: قمر وغيوم من الهند

بقلم مكي المغربي
أستأذن العشاق ومحبي بوليوود من قرائي في هذه المفردات فالحديث هنا عن الإقتصاد وليس الشعر ولا الحب، فالشركة اسمها “غويوم” ولكن التشابه اللفظي والجرس الصوتي جعلها في اللسان السوداني “غيوم” أما قمر فهو مصنع متخصص في الطاقة الشمسية بتكنولوجيا تيوبلر الهندية.
كان يوما مرهقا في معرض الخرطوم الدولي وانتهى متأخرا بعبق “البمبان” في الساحة الخارجية ولكن عندما تدخل للصالات تجد الأضواء والألوان ومجموعات من الشباب والشابات يعرضون منتجات وخدمات شركاتهم بابتسامات ومهارات تسويق عالية، وتجد فحصا مجانيا للأسنان في جناح “معجون سيسنا” مع طاقم “آلاء” الطبي وهدية معجون بعد الكشف، وتجد فحصا مجانيا للعيون في جناح بصريات “ألارا” التي تملكها وتديرها “الشابة أبرار” وتساعدها شقيقتاها “أريج” و “أنفال” وعندما جلست معها للفحص ظننتها تعمل مع الشركة وسألتها عن صاحب البزنس فقالت بكل ثقة وثبات “أنا”!
أعتقد أنه يوجد “سودانين” الآن وليس سودان واحد … سودان سياسي فيه خلافات وصراعات .. وسودان إقتصادي فيه فرص ونجاحات .. ويوجد شباب مخلصون وصادقون هنا وهناك ويجب النظر إليهم بتوازن وعدل لأنهم هم حاضر ومستقبل السودان، أما السياسيين حاليا، حكاما ومعارضين فإن معظمهم يتشاجرون في “صالة المغادرة” مع اختلاف تواقيت الرحلة الأخيرة وهم لا يشعرون.
لفت نظري في معرض الخرطوم الدولي الدورة التاسعة والثلاثين هاتين الشركتين، الأولى لإنتاج بطاريات الطاقة الشمسية من النوع تيوبلر الذي تفوقت فيه التكنولوجيا الهندية. وفي السودان نجح مصنع سوداني في توطين هذه التكنولوجيا وهو “قمر للبطاريات”، وهذا يقودني دائما إلى النتيجة التي توصلت إليها في المفاضلة بين التعاون الإقتصادي مع الهند والصين، وجعلني أكثر ثقة من ميزات التعامل مع الهند والتي تساعد في انتعاش القطاع الخاص.
الصين عندما تأتي تقدم سلعا رخيصة وتكلفة أرخص لبناء البنى التحتية، ولكنها تأتي بعمالها ومهندسيها وتقانتها، ثم تغادر وكوادرها صاروا أفضل ليستفيدوا من تجربتهم في السيطرة على دولة أخرى ومعظم تعاملها مع الحكومة وصناع القرار وليس السوق والشركات الخاصة بينما ينحصر دور القطاع الخاص السوداني في الإمداد بالمواد الخام، فالمتعهدين المحليين في معظم الدول يجلبون الحجر من الجبل ولكن التكسير والطحن وغيرها من المراحل الى تنفيذ المنشئات غالبا ما ينحسر عنها القطاع الخاص ويبقى الأمر خالصا للصينيين.
ربما يكون السودان أفضل حالا بسبب أن النظام السابق كان – مقارنة ببعض الدول الإفريقية – أقوى في التفاوض وأبطأ في الإقرار بالديون وسدادها، وهذه صفة سيئة لكن أنقذت السودان من سيطرة الصين، مثل قرض التلفزيون الغامض (من لديه فكرة يخبرنا)، ولكن هنالك دول دخلت في “فخ الديون” ولم تخرج وبفضل ذلك حازت الشركات الصينية على منشآت حيوية فيها مثل مطار كمبالا وميناء سريلانكا وغير ذلك من النماذج في أفريقيا وأسيا.
عودة للتكنولوجيا الهندية في السودان، إذ يقدم “مصنع قمر” في جناحه في المعرض عبر المدير أحمد عثمان شرحا عن توطين الصناعة في السودان وهذا يقلل من الطلب العالي على الدولار، إذ أن معظم مدخلات الصناعة من مواد في السودان، وأيضا تقل التكلفة علما بأن التكنولوجيا الهندية في “التيوبلر” جعلت بطاريات الطاقة الشمسية الأقل سعرا، وهذا يعجل الطاقة الشمسية في متناول شريحة أوسع في السودان، الأمر الذي يخفف الطلب أيضا على الوقود للكهرباء وبالتالي الدولار.
مصنع غويوم لماكينات معاصر الحبوب الزيتية هو بكل بساطة من أسباب نهضة وجودة صناعة الزيوت في السودان مؤخرا والتي بدأت بماكينات إنجليزية عالية الجودة ثم دخل السودان في تحدي قطع الغيار ومواكبة التطور، وفي السوق العالمي هنالك خيارات كثيرة ولكن للجمع بين الجودة والسعر الأفضل ظهرت التكنولوجيا الهندية مجددا، وفي الونسة مع مدير ومالك المصنع “سينديب” والذي بقي في السودان قرابة الخمسة عشر عاما تجده تحول إلى اللغة العربية واللهجة السودانية وتفهم ظروف ومشكلات السودان، ربما أكثر من خبراء متخصصين في الإقتصاد.
السودان دولة منتجة وفيها وفرة من المواد الخام والمحاصيل الزراعية ولكن عليها أن تحسن إختيار شراكاتها الإقتصادية الدولية، وهذا الشأن لدي فيه حديث ومقالات من واقع 23 دولة أفريقية، وبمقدوري الحديث عنها واحدة واحدة، ودائما ما أردد أننا يجب أن نقلل من الولع بمصر والإمارات وماليزيا ومحاولة تقليدها في الإقتصاد والعلاقات الدولية إذ يجب النظر للدول التي تمر بنفس ظروفنا ولديها نفس مشكلاتنا و “قلاقلنا” و”نفحص” جيدا ما الذي يدور فيها حاليا، ونتوصل من الذي نجح؟ ومن الذي فشل؟ ولماذا؟