الحوار السوداني ــ السوداني.. (10) متطلبات لإنجاح العملية السياسية

تقرير: عماد النظيف
يبدو أن هنالك اختراقاً سياسياً جديداً يلوح في الأفق عقب حالة التكلس والجمود السياسي الذي شهدته البلاد في الفترة الماضية منذ إجراءات أكتوبر الماضي، بلقاء (الحرية والتغيير) والمكون العسكري في الأيام الفائتة برعاية أمريكية سعودية، وأصبح باب الحوار مفتوحاً على مصراعيه بين الطرفين بعد قطيعة دامت (7) شهور، ومن المنتظر أن تسلم (قحت) خريطة الطريق لإنهاء الانقلاب واستعادة المسار الديمقراطي للقوى الثورية ومن ثم المكون العسكري في إطار إيجاد مخرج من المأزق السياسي. وتيسر الآلية الثلاثية المؤلفة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة (الإيقاد) ملتقى الحوار السوداني السوداني لمعالجة الاحتقان السياسي والفراغ الدستوري في البلاد.
أسباب موضوعية
وساعدت الآلية الثلاثية العسكر و (الحرية والتغيير) على المضي قدماً في المفاوضات إذ أعلنت تأجيل الجلسة التحضيرية.
وأكد الناطق الرسمي باسم الآلية الثلاثية السفير محمد بلعيش لـ (الانتباهة) أن تأجيل جولة الحوار المباشر الثانية كان لأسباب موضوعية، وحول موعد استئناف الحوار المباشر أجاب قائلاً: (عندما يحين الوقت لذلك)، وقال مسؤول الإعلام ببعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الإنتقالية في السودان (يونيتامس) فادي القاضي لـ (الانتباهة) عبر البريد الإلكتروني، إن الآلية قررت تأجيل اللقاء الذي كان مزمعاً عقده يوم الأحد القادم، بهدف تقييم الوضع ودراسته في أعقاب التطورات الأخيرة، واللقاء الذي تم يوم الخميس كان برعاية أمريكية ـ سعودية.
ما هي متطلبات العملية السياسية؟
وتقول عضو المجلس المركزي للحرية والتغيير عبلة كرار لـ (الانتباهة): (إن نجاح عمل الآلية يتمثل في انه يجب أولاً أن تحدد الأطراف الرئيسة في المشكلة، وفي تقديرنا الأطراف السياسية هى المكون العسكري والحرية والتغيير والقوى السياسية التي كانت جزءاً من الحرية والتغيير وخرجت منها، وثانياً يجب أن يكون هدف التفاوض إنهاء الانقلاب وتسليم السلطة لحكومة مدنية كاملة وعودة المكون العسكري للجيش، وثالثاً الاتفاق على حل قضايا أساسية أولها ملف القوات النظامية وتعدد الجيوش وبناء الجيش الوطني الواحد).
ولكن بالمقابل يرى المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين أن الحل للأزمة السياسية يتمثل في حوار سوداني سوداني شامل من حيث المشاركة ومن حيث القضايا التي يناقشها، وان يفضي لتوافق على تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تهتم بترقية الاقتصاد والإعداد لانتخابات شفافة ذات مصداقية تعبر عن إرادة الناخبين السودانيين، واستكمال تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وتضع مشروع دستور يعالج مظالم الأقاليم ويرسم ملامح دولة مدنية تحكمها المؤسسات ويحرسها القانون وليست دولة أهواء تتحكم فيها نخبة (أوليغارشية) متسلطة.
ويتفق الكاتب الصحفي والمحلل خالد الأعيسر مع ما ذهب اليه محيي الدين ويضيف قائلاً: (متطلبات نجاح العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية المشتركة تحتاج بدءاً لوقوف الآلية على مسافة واحدة من الجميع، على أن يشمل الحوار السوداني السوداني كل الفرقاء السياسيين، (هذا إذا كانت الغاية من الحوار تحقيق توافق وطني واسع يخدم هموم الانتقال والاستقرار والسلم المجتمعي المستدام)، وهنا وبحسب الأعيسر يجب لفت نظر المعنيين بالترتيب للحوار إلى فكرة الإقصاء التي جسدت العنوان الأبرز طوال الأعوام الماضية، وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وأدخلت السودان في نفق مظلم من المعاناة والانقسام المجتمعي غير المسبوق، ولهذا مطلوب من الآلية الثلاثية الآن الحد من هذه المخاوف لدى بعض الأطراف التي تم إقصاؤها من المشاركة سابقاً وتظن أن الآلية مصممة في الأساس لخدمة أجندات فريق دون الآخرين وهذه المشاعر تجذرت حتى لدى المكون العسكري وليس بعض القوى المدنية فحسب.
مبرمجة
وقال الأعيسر: (كثيرون يظنون أن الآلية مبرمجة من فاعلين في معادلة الخصوم وتعمل لخدمة أجندات مجموعة قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) التي عجزت عن تحقيقها بالعمل الجماهيري، وهذا في حد ذاته يعتبر أحد أهم معيقات عمل الآلية حتى هذه اللحظة، خاصة أنها اتخذت خطوة مفاجئة أخيراً تعضد هذا الفهم، وذلك بتعطيلها الحوار المباشر بعد جلوسها مع قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) دون الرجوع للآخرين، الأمر الذي شكل استفزازاً كبيراً لمكونات فاعلة شاركت في الحوار غير المباشر منذ انطلاقه وحتى قيام الجلسة الافتتاحية للحوار المباشر في فندق (السلام روتانا). كما أن الآلية تعاني من حالة استقطاب بخلفية الصلاحيات والنفوذ بين أضلاع المثلث المكون لها (البعثة الأممية والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيقاد)، وهذه أيضاً قضية مسكوت عنها وتحتاج لترتيب بين الوسطاء فيما بينهم. ولهذا فإن نقاش قضايا الانتقال والتحول الديمقراطي يشمل تعقيدات كثيرة وموضوعاته عميقة وتتطلب رؤية وقناعة توافقية بين أبناء الوطن كافة قبل الدخول في الحوار، وهذا الواقع يفرض ضرورة استصحاب كل الرؤى حتى يشعر الجميع بوجودهم داخل هذه المنصة الحوارية والاقتناع بنتائجها، لأن القناعة بمخرجات هذا الحوار هي كلمة السر للوصول إلى نقطة بداية جني ثمار الثورة وإنهاء هذا الصراع المنهك للشعب السوداني والمدمر لوطنه، وبهذا فقط يمكن أن تتجاوز الآلية عثرات الماضي وظلال الممارسة السابق).
توحيد القوى المدنية
وترى عبلة أن توحيد القوى المدنية واجب أساسي لإنجاح الثورة ونحتاج له الآن في مرحلة المقاومة لتنسيق الجهود باستخدام وسائل متعددة وبادوار متكاملة، وأيضاً للتوافق حول شكل السلطة المدنية القادمة، وهذا شرط أساسي لتكون الحكومة القادمة قوية ومترابطة وتستطيع إنجاز المطلوبات للفترة الانتقالية، لأن الفترة القادمة تحتاج لتضافر الجهود نحو بناء الدولة وليس إهدار الجهود في الاختلافات.
غير أن المحلل السياسي محيي الدين محمد محيي الدين يختلف مع ما ذهبت إليه عبلة، ويعتبر أن قضية مركز موحد للقوى المدنية الديمقراطية نوع من المزايدة الرخيصة، لأن السؤال من يملك تحديد هذه القوى وما هي معايير التحديد، ثم كيف سيشمل الحوار أضاداً يزايد بعضهم على بعض؟ وقال ان المرتكز الأول لنجاح العملية السياسية هو قبول الرأي الآخر وعدم رفض مشاركة كل الأطراف، والنقطة الثانية ألا يتم السماح للآلية الثلاثية بتحديد من تسميهم أصحاب المصلحة، وثالثاً الفصل بين قضايا تشكيل الحكومة الانتقالية وتحديد مهامها بدقة وبقية القضايا الوطنية مثل الإعداد للانتخابات وصناعة الدستور وشكل الحكم في الفترة ما بعد الانتقالية. والأهم ألا يكون لأحد الحق في استخدام (فيتو) على الآخرين.
ورأى محيي الدين أن إصرار (قحت) على احتكار تمثيل الشارع غير واقعي لعدة أسباب، أولاً أنها فعلياً لا تقود الحراك مع محدوديته، ولأن خطوة العودة للتفاوض بعد طول إصرار على اللاءات الثلاث سيجعلها عرضة لغضب الشارع وتخوينها، وثالثاً لفشلها الذي شهدت عليه السنوات الثلاث الماضية في كل المجالات. والأخطر عدم إدراكها حجم العداء الذي اكتسبته بسبب أخطائها والصبيانية التي تعاملت بها مع الجميع، فهي عادت أنصار المؤتمر الوطني ثم حاربت الحركات الموقعة على اتفاقية السلام، وختمت موبقاتها بالعداء والتحريض على القوات المسلحة مما قاد قيادتها لفض الشراكة. ويبدو أن (قحت) لا تدرك حجم التحولات التي حدثت منذ إجراءات (٢٥) أكتوبر التصحيحية، وأهمها بروز تيارات مجتمعية ودينية وسياسية تعارض مشروعها الإقصائي الليبرالي، وهي تيارات لها تأثيرها في الساحة السياسية شاءت (قحت) أم أبت.
خريطة طريق
وقال أمين السياسات بحزب الأمة: (اذن المهمة الأولى الأساسية إنهاء إجراءات (25) أكتوبر والمنهج الذي تعمل به هو الحوار السوداني ـ السوداني متفق عليه من أغلب القوى السياسية المدنية وعلى رأسها حزب الأمة القومي الذي طرح خريطة طريق توضح كيفية الخروج المأزق عبر الحوار، والعلمية السياسية القائمة على الحوار المباشر بين المدنيين والمكون العسكري لا بد أن تسبقها إجراءات، ولكن القوى السياسية عندها مهام وعليها أن تتفق عليها، وهي كيفية الاتفاق حول الترتيبات الدستورية لاستكمال المؤسسات الانتقالية بمشاركة أطراف العلمية السياسية، واتفاق على المهام المطلوبة وإكمال الفترة الانتقالية عبر الحوار).
ويعتقد الحلو أن من السهل جداً إذا أنهينا الإجراءات التصحيحية ان تستطيع القوى المدنية أن تتفق على القضايا سواء كانت الترتيبات الدستورية ومؤسساتها الانتقالية وبرامجها.
وأَوضح أنهم في حزب الأمة مع زملائهم في (الحرية والتغيير) يسعون لتوحيد الرؤى في إطار جامع بحيث يستطيعون مواجهة العملية السياسية بموقف موحد