في خضم الصراع القبلي جنوب دارفور.. وثيقة صلح بين الفلاتة والرزيقات

نيالا: محمد المختار عبد الرحمن
في حاضرة ولاية جنوب دارفور تطوي قبيلتا الفلاتة والرزيقات صفحة الصراع المرير الذى وقع بينهما، وتوقعان على وثيقة صلح لوقف الاقتتال، وتؤكد انتقالهما من الخصام إلى الوئام ومن الحرب الى السلام بحضور حاكم إقليم دارفور والفريق عبد الرحيم دقلو قائد ثاني الدعم السريع وولاة دارفور. وجاء التوقيع بعد جولات من المحادثات خرجت بتوصيات ايجابية بوقف الأعمال العدائية والإعلام السالب وخطاب الكراهية، ومن التوصيات وضع خطة أمنية وفتح المراحيل والمسارات وقيام قوافل دعوية إرشادية، وشددت التوصيات على إهدار دم الحرامي من القبيلتين والقبائل الأخرى وفتح نقاط للشرطة في مناطق التماس وتمكين الأمراء والعقداء بوسائل حركية لضبط التفلت، فيما طالب الطرفان بوظائف قيادية في شركات الدعم السريع لأبناء القبيلتين واستيعاب الذين فوق سن (١٨) في قوات الدعم السريع لمساعدة أهاليهم . وتجدر الإشارة إلى أن المؤتمر انعقد على مدار ثلاثة أيام بمنطقة (كشلنقو) التى تبعد ١٥ كم من وسط مدينة نيالا، وتم فيه التداول والنقاش حول وثيقة الصلح والتوصيات ليتم التوقيع عليها في ختام الفعاليات بنيالا.
أسباب الصراع
بنوايا طيبة وقلوب صافية تسعى للتصالح والتعايش اجتمع (العقداء والأمراء) وبعض الضباط بالدعم السريع أصحاب المبادرة من قبيلتي الفلاتة والرزيقات فى مواجهة مباشرة انحصرت بين القيادات الميدانية فى الصراع الذى دار بين الطرفين وبحضور لجنة أمن الولاية للوقوف ابتداءً على مسببات الصراع. والتفاهمات الأولية التى تمت قربت الشقة بين الطرفين ووضعت خريطة طريق لمسار المصالحة، وتم الوصول لتكوين قوة مشتركة من الطرفين (الأمراء والعقداء) والمنتسبين لقوات الدعم السريع، وذلك بغرض محاربة وقبض المتفلتين وحراسة الاتفاق، وفتح الاسواق والمسارات والمراحيل، وبتواصل اللقاء بحضور القيادات الأهلية تقاربت الرؤى أكثر.
للمرة الثالثة
بالعودة الى مؤتمرات الصلح وتوقيع الوثائق بين الفلاتة والرزيقات تشير المعلومات الى أنها المرة الثالثة التى يتم الجلوس فيها، فقبل عامين انطلقت الشرارة من منطقة (مرية) القريبة من مدينة تلس حاضرة الفلاتة، وصادف التوقيع على الصلح يومها وصول الوالى (موسى مهدى) لتسلم مهامه بمدينة نيالا، وبعد عام واحد انهار هذا الصلح بمجزرة (الطويل) غدراً، ولقيت فيها أنفس بريئة من الفلاتة حتفها زادت عن العشرين قتيلاً، ليتم التوقيع على صلح ثانٍ بين الطرفين بمحلية السلام دون الغوص فى جذور المشكلة أو محاسبة الجناة والمعتدين من الرزيقات. ومرة ثالثة يتجدد الصراع بين الفلاتة والرزيقات وتجاوز عدد القتلى بين الطرفين المائة قتيل مع حرق للقرى وتشريد للمواطنين، وتم التركيز على (سرقيلا) بخلفية مقتل ضابط يتبع للدعم السريع من ابناء الرزيقات قرب (عليبو) التابعة لمحلية ود هجام، وكان فى طريق عودته من (سنقو)، وهذا الهجوم نفذته مجموعات من الرزيقات قدمت من ولاية شرق دارفور، لتجىء هذه المبادرة الثالثة من ابناء القبيلتين المنتسبين لقوات الدعم السريع.
بسط هيبة الدولة
فى جلسة توقيع الصلح بين الفلاتة والرزيقات دعا حاكم الإقليم مني أركو مناوي لبسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع واللجوء للسلطات لأخذ الحقوق، مشيراً إلى أن القوات النظامية هى من يتعامل مع المتفلت، منوهاً برفض الفزع، وقال ان بند الترتيبات الأمنية يسير في خطواته النهائية والعمل جارٍ لإجازة قانون الإدارة الأهلية، واثنى على جهود نائب رئيس مجلس السيادة قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو في تحقيق السلام.
مبادرة الدعم السريع
قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو تمنى أن يكون توقيع الصلح بين قبيلتي الرزيقات والفلاتة نهاية الصراع بينهما، واثنى دقلو على أصحاب المبادرة من ضباط قوات الدعم السريع من الجهتين واصرارهم القوي وسعيهم الدؤوب إلى أن تم الصلح وتوج بالتوقيع، وأوضح عبد الرحيم دقلو أن البلاد تمر بفترة انتقالية استثنائية وأنهم مع الشعب السوداني ومصلحته وحماية مكتسباته، نافياً مشاركة قوات الدعم السريع في الصراع القبلي، وطالب سيادته بتفعيل القوانين ليأخذ كل مجرم جزاءه، مبيناً أن القوات النظامية وحركات الكفاح المسلح على قلب رجل واحد.
محاربة الأمية
والي ولاية جنوب دارفور حامد التيجاني هنون رحب بالمبادرة والوصول بها الى توقيع وثيقة الصلح، وثمن رعاية الفريق أول محمد حمدان دقلو المصالحات بكل ولايات البلاد، كما وصف هنون الادارة الاهلية بأنها بيت الحكمة ومستودع الرأي وتساعد في حل كثير من القضايا، وأكد رئيس مبادرة الصلح بين الرزيقات والفلاتة العميد حسين منزول أن الصراع بين الفلاتة والرزيقات انتهى تماماً دونما رجعة، ودعا منزول إلى محاربة الجهل والأمية وإبعاد مثيري الفتن، مطالباً قطاعات المجتمع المختلفة بالمساهمة في بناء السلام وتعزيز الاستقرار بالمنطقة.
الكيل بمكيالين
وكيل ناظر الفلاتة الطاهر إدريس يوسف يرجع تجدد النزاعات القبلية إلى عدم وجود العدالة والكيل بمكيالين، مشيراً الى أن الخلافات في الحدود الإدارية بين القبائل مسؤولية الحكومة وعليها اظهار الهيبة والقوة بما يحقق عدالة السماء على الأرض. ولفت وكيل ناظر الفلاتة النظر الى أن مفاوضات الصلح بين الفلاتة والتعايشة التى انطلقت لا تمضى بصورة طيبة.
ومن جانبه طالب وكيل ناظر الرزيقات الفاضل سعيد مادبو بالاهتمام بالتوصيات، مؤكداً أن هذا المؤتمر يختلف عن سابقيه بحضور الفاعلين في الحرب من (عقداء وأمراء) الحرب الذين كانوا مجهولين في السابق، ونادى بطى صفحة الماضي وبداية صفحة جديدة من أجل الأجيال القادمة لتحقيق التنمية المستدامة بالتسامح والتصالح والتصافي. وأكد ممثلو (العقداء والأمراء) رفضهم كل ظواهر التفلت التى تجر الى الحروبات القبلية، وانهم سيكونون سنداً وعضداً للسلطة من أجل استتباب الأمن ومنع الجريمة والتفلت.
الصراعات القبلية بدارفور أمر مستحدث، ولم تكن المنطقة تعرف هذه الصراعات الدامية والمتكررة للحضور القوى للإدارات التى تسوس شأن القبائل وتحافظ على العلاقات الطيبة مع كل الاطراف المكونة لمجتمع دارفور المعتمد فى حراكه واقتصادياته على الرعي والزراعة، ولو أن هناك صراعاً لنشأ بسبب التعدى على مورد الآخر، فالراعي بادخال قطيعه في المزارع والمزارع بالتعدى على منازل ومسارات الراعى وتتم التسوية فيها بالأعراف المتبعة، وخلال العقود الماضية أخذت دارفور تشهد الصراعات الدامية مما اثر فى تماسك النسيج الاجتماعى والترابط المجتمعى، وواحد من عوامل استمرار الصراعات القبلية بدارفور عدم الغوص فى الاسباب والمسببات وبحثها من الجذور، ودائماً يتم الاكتفاء بتلمس الخلافات من ظاهرها، ويكون الهم الأول التوقيع على وثيقة صلح أياً كانت، ويريد بها المسؤولون رفع أسهمهم بتحقيق نجاحات صورية، مما راكم الضغائن ولم يعالج القضايا من داخلها وأفقد الولايتين أكثر من (٣٠٠) نفس خلال هذا الصراع، وفقدان المئات من المواشى التى تحسب قيمتها بالمليارات من الجنيه السودانى.
على خلفية الصراع
على خلفية تداعيات النزاع الدموى الذى وقع بين قبيلتى الفلاتة والرزيقات قبل عامين والعام الماضى وهذا العام وبعيداً الصراع الأول، تم التوافق على صلح هش سرعان ما أعاد الكرة الى مربعها الأول ليقع صراع ثانٍ، وهذا الثالث راحت من خلاله دماء طاهرة وزكية بلا جريرة اقترفتها، ودخلت جنوب دارفور على مجملها فى أتون ساخن جراء هذا الصراع، ووقعت احداث كثيرة ومتفرقة، وباتت أشبه بحرب العصابات تقطع الطرق السفرية وتقوم بالقتل ونهب مركبات وممتلكات المسافرين بتدخلات وعتاد حربى في السلاح قادم من خارج الولاية وتلوذ بالفرار، مما وضع حكومة الولاية فى اختبار ووقوفها شبه مكتوفة الأيدى، حتى تداعى أبناء القبيلتين المنتسبين لقوات الدعم السريع للمناداة بقيادة مبادرة للصلح بين الطرفين وقد كان. ويشهد التاريخ القريب وعلى امتداد تكون الدولة السودانية والحكومات الوطنية أنه لم ينشأ صراع بين الرزيقات والفلاتة، بل كانت العلاقات الطيبة والحميمة بالتداخل والتصاهر والصداقات بمختلف المستويات العمرية، وتوطدت بزمالة الدراسة والتعليم والعمل والانخراط فى مجالات مشتركة فى التنظيمات السياسية والمدنية والعسكرية، هذا ما تؤكده الشواهد الواقعية.