محجوب مدني محجوب يكتب: ورشة الحرية والتغيير، وطائرة عباس بن فرناس

الورشة التقييمية لقوى الحرية والتغيير التي أقامتها عبر منبر صحيفة الديمقراطي، والتي اعتذرت فيها للشعب للسوداني هل تعتبر مساهمة لبداية انطلاقة للعمل السياسي المؤسسي في البلاد؟
نجهل نحن السودانيون كل الجهل قيم الاعتذار والنقد الذاتي على مستوى الأفراد التي تكون فيه المسؤولية مباشرة، فما بال حينما تكون المسؤولية عبر حكومة؟
فما أسهل التهرب وإلقاء اللوم على الآخرين!
ننظر للاعتذار والنقد الذاتي بأنه قمة الانهزامية والضعف، ولا نعرفه أصلا كما نرى فيه انتصارا واستقواء لمن يقف منا على الجهة الأخرى.
فإن قيل لأحدنا اعتذر بادر بالقول:
ومن هذا الذي أعتذر إليه؟
سؤال استنكاري غالبا ما يتكرر يعني قمة الاستخفاف والجهل بقيم الاعتذار.
فهذا المعنى يرى أن الاعتذار يعني تقييم للمعتذر له في حين أن معناه يعني تقييم لصاحب الاعتذار.
وللأسف لا يوجد نموذج واحد يبين قيم الاعتذار وضوابطه حتى يقدم لقوى الحرية والتغيير من أجل أن تسترشد وتستفيد منه، وبالتالي مجرد طرحهم الفكرة نفسها، والتي كانت وما تزال غائبة عن الساحة ينبغي أن تقابل بالشكر والتقدير.
إن طرق قوى الحرية والتغيير لقيم الاعتذار والنقد الذاتي في العمل السياسي أشبه بفكرة العالم العربي المخترع للطيران عباس بن فرناس، فهذا الرجل رغم السخرية التي وجدها حينما صعد في مكان مرتفع مخترع لنفسه جناحين في محاولة منه للطيران رغم السخرية التي واجهته حينها إزاء هذه الفكرة التي دفع بها حياته إلا أنها كانت النواة والبذرة التي انطلقت منها فكرة الطائرات هذا العالم الذي يعج به الفضاء.
هذا الاختراع الذي وصل ما وصل به الناس يرجع الفضل والشكر فيه بعد الله سبحانه وتعالى لهذا الرجل عباس بن فرناس.
فقوى الحرية والتغيير خلال تجربتهم المتواضعة والمتواضعة جدا التي قاموا بها خلال حكم الفترة الانتقالية بحيث قاموا بنقد ذاتي قدموا خلاله اعتذارا لهذا الشعب الذي يستحق كل تقدير واحترام.
شعب صبر على نظام باطش لدرجة ثبت لزبانيته أن هذا الشعب لا يوجد شعب أجبن ولا أشد غباء منه.
كيف يسمح لنا هذا الشعب أن نعيث في هذه الأرض الفساد؟
كيف يسمح لنا أن نجعله وسيلة لثرائنا من خلال تبديد ثرواته؟
حتى قال قائلهم: إن الفرصة التي توفرت للإنقاذ والتي فاز بها أصحابها واحدة ولن تتكرر.
فوثب هذا الشعب وثبة سلمية أدركوا حينها أن هذا الشعب صبور لا جبان.
أدركوا أن هذا الشعب قمة في الوعي والإدراك.
أدركوا أنه قمة في الصمود والإباء شبابه وشاباته صغاره وكباره.
فكون قوى الحرية والتغيير أدركت فقط أن هذا الشعب بهذه الإمكانيات التي يتمتع بها يستحق الاعتذار يستحق أن يوضع في الصورة ويوضح له أسباب الفشل.
لا شك إنه موقف يشكرون عليه.
لا شك إنه موقف ينبغي أن توضع لهم فيه وسام الاقتراع.
فكل جسم سياسي يأتي بعدهم ينهج هذا النهج العلمي والراقي في الممارسة السياسية لا بد أن يذكر هؤلاء النفر بأنهم هم أصحاب الاقتراع.
فإن كان للأدب والفن والتكنولوجيا حقوق للملكية الفكرية.
فلا بد أن توضع للسياسة كذلك حقوق للملكية الفكرية وليكتب عليها أن قوى الحرية والتغيير هي من أسست لقيم الاعتذار والنقد الذاتي في العمل السياسي في السودان.
طبعا توجد هذه القيم لدى الأحزاب والحكومات السودانية لكن كيف تدار؟
تدار بحيث لا يدري عنها أحد تدار وتخفى كما يخفى (الوليد اللقيط)
لكن أن يرصد لها منبر وتناقش وتدار ليس بصورة شكلية صورية، وإنما بطريقة لا تخلو من نبرة صدق وأمانة يستحقون معها هؤلاء النفر أن تسجل لهم في تاريخ مسيرة الحياة السياسة السودانية بأن هذه القيم حق تابع لهم في المكلية الفكرية السياسية.
صحيح يتبع هذا الاعتذار وهذا النقد الذاتي برنامجا يرسم مستقبل طبيعة العمل السياسي في السودان يلتزم به كل من ساهم في هذه المرافعة لكن حتى لو لم يقوموا بذلك، فهذا لا يقدح من القيمة السياسية التي جادوا بها، وذلك باعتبار أنها قيمة كانت تنتمي إلى عالم العدم، فحولوها إلى عالم الوجود.
حقيق لكل منتج خاص بالطيران بجميع أشكاله وأنواعه السلمية منها والحربية البدائية منها والحديثة الحاضرة منها والمستقبلية أن يقول:
شكرا عباس بن فرناس رغم بساطة وسذاجة الفكرة التي قمت بها في هذا المجال يكفيك فخرا أنك لفت العالم ونبهته بهذا الاختراع العظيم.
حقيق لكل سياسي ولكل حقوقي ولكل مواطن أن يقول:
شكرا لقوى الحرية والتغيير بإقامتكم ورشة تقييمية لفترتكم في الحكومة الانتقالية من محض إراداتكم ولم يجبركم عليها أحد. شكرا فأنتم بذلك ساهمتم في تأسيس إصلاح الشأن السياسي الذي ينادي بأن الحكومات في خدمة الشعب وليس الشعب في خدمة الحكومات.
شكرا في كونكم جعلتم الشعب هو الغاية من الممارسة السياسية وليست السلطة.
شكرا أن جعلتم من السياسة وسيلة لجلد الذات لا لتضخيمها.
شكرا أن أرجعتم الأمل في إمكانية ممارسة سياسية نزيهة بعد أن فقد الأمل ورسخ بأنها شيطان من شياطين الإنس.
شكرا لكم قوى الحرية والتغيير في ورشتكم التي أوضحتم بأنها جديدة ومبتكرة بكل ما تحمل الكلمات من معنى.
شكرا لكم فردا فردا.
فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.