زيارة دقلو إلى تشاد المصالح والمخاوف المشتركة بين البلدين

تقرير: حافظ كبير
عقب مهرجان التعايش السلمي الذي شهدته مدينة الجنينة برعاية نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، غادر دقلو الخميس الماضي إلى العاصمة التشادية انجمينا، حيث استقبله رئيس المجلس العسكري الانتقالي التشادي الجنرال محمد ادريس ديبي بالقصر الرئاسي. وكان الوفد المرافق لدقلو مكوناً من مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أحمد ابراهيم مفضل ورئيس هيئة الاستخبارات العسكرية اللواء الركن أحمد محمد علي صبيرة.
وفيما بحث الجانبان العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها بما يحقق المصلحة المشتركة، كما ناقشا أيضاً الملفات المشتركة بين السودان وتشاد وكيفية التنسيق والتعاون بشأنها، يرى مراقبون ان ثمة مآرب أخرى وراء الزيارة، فما الذي يسعى اليه حميدتي؟
استقرار
تأتي زيارة محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى انجمينا بعد أن استقر في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وحدد ثلاثة أهداف يعمل لتحقيقها خلال بقائه الطويل هناك، فرض هيبة الدولة وعقد المصالحات بين المكونات المتصارعة وإعادة النازحين واللاجئين إلى أماكنهم الأصلية.
وبين السودان وتشاد كثير من القضايا المشتركة، أبرزها وجود ما لا يقل عن مليونين من اللاجئين السودانيين الذين يستقرون في شرق تشاد، وكذلك الحدود الواسعة والتجارة والأمن، فضلاً عن دور الجانب التشادي في سلام جوبا كأحد الضامنين والشهود، ودور السودان التاريخي في استقرار تشاد.
هجوم
وأثناء زيارة الوفد الرئاسي بقيادة دقلو، شهدت الحدود السودانية التشادية هجوماً اتهمت تنسيقية الرحل القوات التشادية بشنه على بادية (بير سليبة) وقتل ثلاثة من الرحل نهار الأربعاء، وفي الخميس زاد عدد القتلى ليبلغ (17) قتيلاً بحسب عضو التنسيقية العليا لأبناء الرحل مسعود يوسف، وكشف مسعود في تصريح لـ (الانتباهة) عن تشييعهم (15) من قتلى العرب الرحل صباح للجمعة بحضور قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، واتهم مسعود القوات التشادية بارتكابها ما وصفها بالمجزرة في وقت زيارة دقلو لانجمينا، وأضاف مسعود أن القوات التشادية تغلق الحدود في حال حدوث اعتداءات من الجانب التشادي ودخول المعتدين في الأراضي التشادية، بينما يتدخل الجانب التشادي حال ارتكبت أطراف سودانية أية جريمة، معتبراً ذلك خللاً كبيراً في تطبيق بروتكول القوات المشتركة السودانية التشادية.
وشيع آلاف المواطنين في مدينة الجنينة قتلى العرب الرحل، وسلموا نائب رئيس مجلس السيادة مذكرة احتجاجية، وطالبوا فيها بإعادة النظر في القوات المشتركة ومحاسبة الجناة وإعادة المنهوبات التي بلغت أكثر من (300) رأس من الإبل بحسب أعضاء في التنسيقية العليا لأبناء الرحل.
ما وراء الزيارة
ويقرأ الباحث في الشؤون الافريقية الدكتور محمد تورشين زيادة حميدتي لتشاد في عدد من السيناريوهات، الأول رغبة الحركات المسلحة في وجود مساعٍ للتواصل مع القيادة التشادية حول ايجاد مخرج لتسوية قضية اللاجئين بشرق تشاد ووجودهم واستقرارهم في السودان، وأضاف تورشين في تصريح لـ (الانتباهة) أن أهداف الزيارة قد تكون التنسيق والتفاكر حول هذه الجزئية، وتابع قائلاً: (يمكن ان يكون لهذه الزيارة دور حول قضية وجود اعتراضات قدمت من قبل اطراف العملية السياسية لتشاد باعتبارها من أهم الدول الراعية للاتفاق، فتشاد تريد إرسال رسالة للحكومة بحكم أنها إحدى الدول القريبة لهذا الملف، وتريد اعادة الاهتمام بملف الترتيبات الامنية).
ويكشف تورشين عن سنياريو آخر، يقول إنه غير مستبعد، ناتج عن فشل مباحثات الدوحة بين الحكومة التشادية والمعارضة، من أجل اعادة النظر في وضعية الحركات الراغبة في تغيير النظام في انجمينا، وبالتالي الغرض هو إعادة النظر في هذه الجزئية والمساهمة بشكل ايجابي ودعم السودان لقضية السلام في تشاد، وأضاف تورشين قائلاً: (الزيارة لن تحيد عن هذه المضامين).
تعايش
أما الأكاديمي والاستاذ الجامعي الدكتور عبد الله ضيفة، فيقول ان تشاد دولة مهمة للسودان لأنها تشترك معه في أطول حدود بالنسبة لدول الجوار، وفوق ذلك أن جل قبائل دارفور بمختلف اثنياتهم لها امتدادات داخل تشاد والتداخل بينهم مستمر، ولا تستطيع أي من الدولتين وقف أو إعاقة حركتهم الاجتماعية والتجارية في تكامل انساني قلما يوجد في منطقة اخرى، وأضاف ضيفة في تحديث لـ (الانتباهة) قائلاً: (هنالك أكثر من مليوني سوداني بمعسكرات اللجوء في شرق تشاد يتعايشون في أمان مع المجتمع التشادي دون ضيق أو ضجر من الدولة المستضيفة، وكل ذلك جعل الجارة تشاد دولة محورية وعمقاً استراتيجياً بالنسبة للسودان أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي فإن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة يمكن قراءتها في إطار اهتمامه واعتكافه لأكثر من شهرين باقليم دارفور وقيادة برنامج طموح للمصالحات القبلية ورتق النسيج الاجتماعي، وبسط هيبة الدولة والتضييق على المتفلتين ومثيري الفتن، خاصة أن المعلومات تشير بأصابع الاتهام لتدخل عناصر تشادية تسللت عبر الحدود، وفاقمت أزمة الصراع على الموارد الدائر بدافور، بل اشتركت في ارتكاب الجرائم البشعة التي هزت الضمير الوطني السوداني خاصة في ضواحي مدينة الجنينة خلال الاشهر الماضية).
متفلتون
وينظر ضيفة للزيارة باعتبارها زيارة ذات بعد أمني وربما اقتصادي لا أكثر، وبهدف التفاكر الجاد حول آليات ضبط حركة المتفلتين على حدود الدولتين، والسعي للاستفادة من طول الحدود كمناطق تكامل اقتصادي تنموي لصالح الشعبين بدلاً من تركها بؤرة أرق أمني للدولتين وزعزعة استقرارهما، وتابع قائلاً: (حيث سبق هذه الزيارة بيومين فقط ذهاب حاكم إقليم دارفور الى تشاد والالتقاء برئيس المجلس العسكري الجنرال محمد كاكا دون إشارة إلى التنسيق بين الرجلين (مناوي ودقلو)، ولكن ربما كانت زيارة الاول في إطار الترتيب والتمهيد لزيارة الثاني، خاصة أن الرجلين تربطهما علائق ذات خصوصية).
أبعاد دولية
ويرى الخبير في الشؤون الإفريقية الدكتور ياسر العبيد أن الزيارة جاءت في توقيت مهم بالنسبة لعلاقة البلدين، وأهمية كل منهما للآخر في قضايا الحدود والأمن، وأضاف في تصريح لـ (الانتباهة) قائلاً: (الاطار الأمني مهم جداً ويعكس استقراراً سياسياً في البلدين، والمصالحات والاستقرار في دارفور سينعكس على تشاد، وهناك قضايا أخرى مشتركة من تجارة الحدود والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، وكذلك مكافحة الجماعات الارهابية، وغسيل الأموال وهي قضايا تشغل المنطقة والدول الإفريقية ضحية لهذه الظواهر، والسودان يتأثر بهذه الظواهر وكذلك الأمن القومي للسودان يتأثر بهذه القضايا ولا بد من تنسيق مشترك بينه وبين دول الجوار).