السفير السوداني بمصر محمد الياس لـ (الإنتباهة) : بعض الأشخاص لديهم أجندة وراء إغلاق المعابر
حجم التبادل التجاري بين الخرطوم والقاهرة قفز إلى "1,6" مليار دولار

حوار: خديجة الرحيمة
كشف سفير السودان لدى القاهرة محمد الياس عن أن عدد الجالية السودانية بمصر يبلغ (5) ملايين، وقال الياس في هذه المقابلة مع (الإنتباهة) ان العلاقات السودانية المصرية حتمية، واعرب الياس عن رضائه التام عن موقف مصر من الازمة السودانية، مشيراً الى انها وصفت من البداية ما يجري بالصراع السياسي متعدد الاطراف، ووقفت على مسافة واحدة من الجميع.. وغير ذلك في هذه المقابلة.. فإلى مضابطها:
* بصفتك سفيراً للسودان بالقاهرة.. هل أنت راضٍ عن دور مصر في حل الأزمة السودانية؟
ــ نعم راضٍ تماماً عن ذلك، وهذا السؤال جميل. وفي تقديري أن مصر وصفت منذ البداية بطريقة شفافة ما يجري في السودان بأنه صراع سياسي داخلي أطرافه متعددة، وأفضل موقف لمصر أن تقف على مسافة متساوية من أطراف الصراع السياسي داخل السودان، ومصر لديها التزاماتها وما يجري في السودان يؤثر في مصر وما يجري في مصر يؤثر في السودان، والدولة التي أثبتت أن أجندتها متطابقة مع الأجندة الوطنية السودانية هي مصر ولا تعمل وفقاً لأجندتها الخاصة، وما يهم مصر هو وحدة الدولة السودانية، وهذا موقف معلن، وأعتقد لا أحد يختلف مع مصر في ذلك.
* ماذا عن العلاقات بين البلدين؟
ــ العلاقات السودانية المصرية تاريخية وكانت دائرة في حلقة صعود وهبوط. وهذه الدائرة مغلقة واتسمت بعدم الاستقرار، وما أن تتقدم العلاقات حتى تحدث فيها نكسة فتعود الدائرة. وافتقدت خاصية الاستقرار والتطور المستدام بأسباب يطول شرحها على المستوى المفاهيمي وعلى مستوى السياسات، وهذه أسباب حقيقة أثرت في العلاقة منذ الاستقلال ولم تبارح مكانها، والقاعدة الاساسية في هذه العلاقات انها ذات خصوصية، وكل الدول لديها علاقات ذات خصوصية، والعلاقات بين مصر والسودان حتمية المصير المشترك، وهذا هو الفرق بين خصوصيات السودان مع مصر والدول الأخرى، وكيفية وضع العلاقة بهذه الخاصية تتطلب إرادة ثابتة لأنها علاقة أصبحت فوق إدارة العلاقة العادية، واستظلت السنوات الثلاث الأخيرة بإرادة قوية جداً، والبنيات الاساسية لمسار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين لا أقول أنها اكتملت بل قطعت شوطاً بعيداً جداً، وكافة السلع الاستراتيجية للسودان تستورد من مصر، وأكثر المؤشرات حجم التبادل التجاري، وقفزنا من (800) الى واحد مليار بوينت (6)، وقطاعياً مصر تستورد لحوماً بما يعادل (6) مليارات دولار من الارجنتين والبرازيل ونيوزيلندا، وقفزنا من 6% للاحتياجات المصرية الى 11% يغطيها السوق السوداني. ونعمل على توسيع السوق والاستثمار في البنيات الاساسية في هذا القطاع. وفي المجالات الاخرى اذا مسكنا التعليم فقد قفزنا الى (22) الف طالب سوداني في الجامعات المصرية، وهذه واحدة من الاشياء التي تخفف الضغوط الداخلية، وتم قبول أكثر من ( 9) آلاف طالب في هذا العام، وفي بعض الجامعات أصبح عدد الطلاب السودانيين غير ممكن، وعدد الطلاب السودانيين فاق حجم استيعاب هذه الجامعات وأصبحت إشكالية، ومصر فتحت أبواب جامعاتها، والطلاب السودانيون الوحيدون الذين يتم إعفاء 90% من الرسوم الدراسية لهم دون غيرهم.
* ماذا عن التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب؟
ــ مكافحة الإرهاب لا يمكنني الحديث عنها، لأن التعاون مركز على الهجرة غير الشرعية، ولدينا التزامات تجاه أنفسنا، اما الإرهاب فهو سياسة دولية وإقليمية نعمل في إطارها ولا صلة لها بالعلاقات الثنائية.
* كيف يتم التعاون بين البلدين في ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية؟
ــ سياسات الهجرة غير الشرعية سياسات تتم في إطار كلي وجماعي ولا تتم في إطار علاقات ثنائية، وحتى مكافحة الارهاب لا تتم في إطار دولتين، وهذا التزام نحو السياسة الإقليمية والدولية، وليست عملية في المقام الأول مثل التعاون التجاري، وليس لدينا ملف للتعاون في مكافحة الإرهاب أو الهجرة غير الشرعية، وكل دولة مسؤولة وواجب عليها أن تتعاون في مجال الإرهاب وفي مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية.
* في ما يتعلق بالتعاون بين البلدين في المجال التجاري أو غيره كيف نستطيع أن نغير الصورة الذهنية بالنسبة للسودانيين تجاه مصر، لأن الغالبية تعتقد أن مصر تقوم باستغلال السودان لأخذ الموارد؟
ــ عن طريق استعادة المفاهيم الحقيقية في علاقات البلدين، وهذه عملية لا تتم الا بحوار استراتيجي، ولا توجد وصفة جاهزة لتغيير المفاهيم، وتبادل المصالح والإحساس بحقيقته هو الكفيل بتغيير المفاهيم المغلوطة السائدة بين الشعبين، وهذه قضية تغيير مفاهيمي ليست لها وصفات جاهزة.
* ما تعليقك على إغلاق المعابر في الفترة الماضية، وهل أثر ذلك في علاقة البلدين؟
ــ لم تكن العلاقات المصرية السودانية مستهدفة بمثل هذا العمل، وقد يكون هناك بعض الأشخاص لديهم أجندتهم لكنها لا تعبر عن الرأي العام لأهل الشمال تجاه مصر، لأن قطع الطرق يمكن أن يحدث في قلب السودان وليس موجهاً، وهذه ليست عملية متعلقة بمنع المصريين وإعادة صياغة هذا المفهوم هي أجندات خاصة، وفي تقديري المؤكد لم تكن هذه العمليات ذات تأثير في تعديل مفاهيم مصر تجاه السودان، ولم تخلق بين البلدين اي نوع من الأزمات، بل هي فرصة تعبير عن احتجاج.
* هناك إصلاحات اقتصادية تتم بين مصر والسودان.. كيف تتم الاستفادة من ذلك التعاون؟
ــ التجربة المصرية واحد من المتفق عليه بين قيادة البلدين، وأن تفتح مصر أبواب الخبرة والتجربة للسودان بدون سقف حتى على مستوى السياسات الإصلاحية، وقبل سبع سنوات كانت مصر في أزمة واليوم خرجت منها بأفضل الاقتصاديات أداءً في المنطقة، على الرغم من جائحة (كورونا) والركود الاقتصادي. وأبواب الخبرة المصرية مفتوحة تماماً، ولم نقف على باب من أبواب المؤسسات المصرية الا وجدناه مفتوحاً.
* ماذا عن الأمن الغذائي العربي؟
ــ نحن في حاجة الى أن يرتقي الناس لمفهومه من خلال الإعلام والأمن الغذائي العربي، فالسودان في مركز الاهتمام العربي والإقليمي والدولي، وهذه القضية في المرتبة الأولى اليوم، ومنطقة القرن الافريقي والمنطقة العربية تعاني من أزمة دون الآخرين، وأكثر الدول تأهيلاً السودان، ودفعنا بهذا الأمر في الجامعة العربية لأنه قديم واندثر، وأهم ما في الموضوع أن تتم عملية استعادة السودان لمركز الحدث، ولا توجد دولة قادرة إقليمياً على أن تأمن غذاء هذه المنطقة غير السودان.
* ماذا عن اللجان المشتركة بين البلدين؟
ــ الآن نعمل على تصميم برامج تنفيذية، وهذا هو المتفق عليه منذ البداية، ولا بد أن نخرج من النمط التقليدي الذي يكتفي بالتوقيع على الاتفاقيات، وفي الفترة الاخيرة لم تكن لدينا اتفاقيات بل برامج تنفيذية وأن تظهر العلاقة بمستوى رفيع من خلال التوقيع على الورق ولا تهمنا اتفاقيات بعد ذلك، ونعمل على برامج تنفيذية فقط، واية برامج تلاقت فيها مصالحنا نستطيع تنفيذها، اما صياغة وإعادة الصياغة هذه العملية ما عادت ذات جدوى، ويكفي ما عندنا من اتفاقيات إطارية تجارية واقتصادية وفنية بين البلدين، وهذا هو الخروج عن النمط التقليدي في إدارة علاقات البلدين.
* هناك شكاوى من عدم تطبيق الحريات الأربع؟
ــ الحريات الأربع صورة نموذجية مثالية وليست برنامجاً متفقاً على تنفيذه بنسبة 100%، وأهم شيء أن نكون منفتحين على بعض، والحديث عن الحريات الاربع حديث عن صورة تكامل نموذجي ومثالي، وبعد ذلك كل دولة وفقاً لمواردها وقدراتها. ومصر تكفلت تماماً برفع الشبكة الكهربائية للسودان الى (300) ميقاواط، وقامت بتصنيع المحولات وترحيلها وتركيبها في مروي ودنقلا، والآن المشروع في مرحلته النهائية. وهناك تعاون في مجال السكة حديد، كما قامت مصر بتأهيل الخط الملاحي الذي توقف لسنين طويلة بين اسوان وحلفا، كما قامت بإعادة تشغيل وإصلاح ميناء وادي حلفا. وفي ما يتعلق بالجانب الصحي فمعظم الأدوية بطريقة مقننة أو غير مقننة من مصر، والعلاج الحقيقي أيضاً هنا، كما قامت مصر بتدريب (1500) من كوادر الخدمة المدنية.
وخلال السنوات الثلاث الاخيرة لم ندخل مع مصر في أزمة سياسية او إعلامية.
* كم يبلغ عدد الجالية السودانية بمصر، وما هي التحديات التي تواجهكم كسفارة؟
ــ يبلغ عدد الجالية حوالى (5) ملايين، ولدينا عجز بين موارد السفارة والطلب على الخدمات، والطلب يفوق كل الموارد المتاحة، ونحن وحدة صغيرة للغاية في هذا المبنى تدير شؤون (5) ملايين سوداني وسودانية، واذا كان هذا العدد في السودان ستديره عدد من المؤسسات والآليات المتعلقة بالصحة والتعليم والاستقرار، ونحن وحدة صغيرة وبموارد محدودة ومطلوب منا كل شيء، وليست لدينا خدمة نقدمها أكثر من الخدمات في حجم الموارد، ونحاول ان نعظم الفائدة من الموارد المتاحة لنا.
* أخيراً حدثنا عن مؤتمر المناخ؟
ــ هذا هو المؤتمر السابع والعشرون الذي يجمع كافة الأطراف، ويتميز بأنه من أكبر المؤتمرات العالمية التي تعقد، والمؤتمرات السابقة كانت تتعلق بالسياسات والقوانين والتفاهمات. والمصريون باستضافتهم هذا المؤتمر حددت فيه الحكومة المصرية عدة أهداف بالتنسيق مع سكرتارية التغيير المناخي لعملية التصدي لاستباق تداعيات التغير المناخي والتكيف مع التغير المناخي، والهدف الثالث التمويل للمشروعات الاستباقية ومشروعات التكيف، والهدف الرابع عملية التعاون الدولي، وهذه هي الأهداف التي حددت، والتغير المناخي قضية تتعدى الحدود، ونظم المؤتمر بطريقة متقدمة للغاية.