مسابقة عيون الشباب على التنمية

عقب إجراءات (25) أكتوبر.. مئات الإصابات بالأمراض النفسية أسرار تكشف عنها (الإنتباهة)

المكتب الطبي: عدد الإصابات بالأمراض النفسية وسط الثوار تجاوز (٥٠٠) إصابة

الخرطوم: خديجة الرحيمة

شهدت البلاد أخيراً تفاقم أزمات متوالية، وألقت الأوضاع الاقتصادية بظلالها على المجتمع السوداني، فزيادة جنيه في سعر (الرغيفة) كان نهاية لحقبة ثلاثين عاماً من عمر الإنقاذ، فكان يوم ١٩ ديسمبر من عام ٢٠١٨م بداية شرارة لتلك الثورة التي خرج الشعب فيها احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية وتفاقم الاوضاع وتراجع الخدمات وكبت الحريات.
وعقب اندلاع الثورة سقط آلاف من الشهداء والجرحى، ولكن الخطير في الأمر أن المئات من مصابي الثورة أصيبوا بأمراض نفسية جراء فقدناهم جزءاً من أعضائهم وهذا ما لم يخطر على بال أحد.
وزادت في الآونة الأخيرة نسبة الإصابة بالأمراض النفسية خاصة وسط الشباب والنساء، وهناك أسئلة تفرض نفسها: ما هي الأسباب الرئيسة لهذا التزايد في الإصابات وسط المواطنين؟ وهل لأسباب اقتصادية ام اجتماعية أم الاثنان معاً؟ تفاصيل مثيرة رصدناها خلال رحلة بحث وتقصٍ حول حقيقة هذه الأرقام، وكانت المفاجأة وجود العشرات في مستشفيات العلاج النفسي، بجانب وجود مئات الثوار من مصابي الثورة الذين ضلت بهم الطرق وأصبحوا امام تحدٍ كبير، وحالات تقشعر لها الابدان، فهناك من فضل الإضراب عن الطعام والآخر حاول الانتحار.
(الإنتباهة) تجولت في عدد من المستشفيات والتقت عدداً من مصابي الثورة الذين اصيبوا بأمراض نفسية وخرجت بالآتي:
أرقام مهولة
وعقب الإجراءات التصحيحية التي قام بها القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، خرجت العديد من المليونيات، الأمر الذي أدى إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وبحسب الإحصائية التي حصلت عليها (الإنتباهة) من المكتب الطبي لمصابي الثورة فإن عدد الذين اصيبوا بأمراض نفسية تجاوز (٥٠٠) مصاب، وأشار الى ان عدد مصابي الثورة بلغ
(٨٩٤١) مصاباً.
وفي سياق آخر كشفت إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الصحة تحصلت عليها (الإنتباهة) عن ارتفاع حالات الإصابة النفسية في الخرطوم الى (58765) حالة خلال العامين الماضيين، بينما كشفت إحصائية رسمية صادرة عن مستشفى التيجاني الماحي للأمراض النفسية والعصبية أن متوسط الدخول للمستشفى بلغ (1500) شهرياً بواقع (50) مريضاً يومياً، في حين ذكرت الإحصائية أن هناك خمسة مرضى جدد يومياً يقبعون في العنابر، ونوهت بأن السعة الاستيعابية للاسرة مكتملة، وان اكثر المترددين على المستشفى من فئة الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين (20) و (30) عاماً، وبينت الإحصائية أن 80% من المرضى الذين يترددون على المستشفى جراء الظروف الاقتصادية. بينما كشف استشاري الطب النفسي والعصبي علي بلدو عن تردد أربعة آلاف حالة على المراكز النفسية والعصبية يومياً، ولفت الى ان هناك رصد لحالات إغماء واصابات ازاء التدافع على العيادات والمراكز النفسية، وتصاعد مخيف ومرعب للأمراض النفسية والعصبية وحالات الإدمان.
مأساة نفسية
(الإنتباهة) تجولت في عدد من المستشفيات التي تحتضن المئات من مصابي الثورة الذين أصيبوا بأمراض نفسية وضلت بهم الطرق وأصبحوا بين امرين احلاهما مر، اما ان يتقبلوا الأمر ويمكثوا بالمستشفيات بحثاً عن العلاج طيلة حياتهم، او اللجوء للانتحار للتخلص من هذا الشعور.
المصاب نجم الدين محمد التقينا به داخل مستشفى فضيل وهو في طريقه الى غرفة العمليات وحالته يرثى لها، وبعد محاولات معه وافق على التحدث إلينا، ولكنه كان يخرج الكلمة الواحدة في نصف ساعة، وكان يلتفت خلفه وأمامه ولا نعلم في ماذا يفكر، وفي الأخير روى لنا تفاصيل إصابته وقال: (أصبت في يوم ٢١ اكتوبر ٢٠٢٠ في بحري المؤسسة برصاصة حية في الفخذ أدت الى انقطاع العصب والشرايين في الرجل، وبعدها سافرت إلى الهند واجريت (٦) عمليات ولم تجد نفعاً وعدت إلى السودان، والآن ادخل عملية لبتر اصبعي الأكبر في الرجل اليمنى لعدم وصول الدم اليه، والذي تكفل بعلاجي طيلة الفترة الماضية المكتب العلاجي للثورة والصندوق القومي). وأضاف قائلاً: (انا ضد الحكومة وضد اللجنة الفنية التابعة لمجلس الوزراء، واحتاج لشيء يسندني، ورسالتي الأخيرة ليس لدي من يقف بجانبي سوى اخي الأكبر الذي يعول أسرته الكبيرة والصغيرة، وأحياناً يترك عمله ويأتي للجلوس معي في المستشفى).
اما المصاب محمد عبد الله فقصته حزينة وتختلف عن البقية، فوالله لو حكى لي شخص آخر عنه لن اصدقه ابداً، ولكن التقيته بنفسي وهو في حالة سيئة جداً ولكنه يحمد الله عليها، وروى لي تفاصيل إصابته حيث قال: (تم دهسي بواسطة حافلة قبل أربع سنوات في بحري، مما تسبب لي في (31) كسراً في الوجه، وبعدها سافرت إلى الهند لإجراء عملية، وبالفعل أجريت (15) عملية مسطرة في وجهي وتبقى لي عدد من العمليات، الا أن مسؤول المصابين هناك اجبرني على العودة للسودان قبل إكمال علاجي، وعندما رفضت العودة اخذ جوازي وقام بطردي من الفندق، وبعدها جئت الى السودان وانا اعاني اكثر من الاول، ومنذ إصابتي لم ادخل شيئاً في فمي غير (الزبادي) لأن فكي به عدد من الكسور ولا أستطيع أن أكل اي شيء، وبعد كل (5) ساعات اقوم بعملية (مضمضة) للفم، وما ترونه الآن ليس وجهي الحقيقي، ومنذ عودتي لم اخرج في اي موكب لأنني فقدت الثقة واصبحت اخاف جداً، وانا الآن أعاني من حالة صحية ونفسية سيئة جداً، وأريد أن أوجه رسالة للجهات المختصة بأن هناك أشخاصاً يستفيدون من مصابي الثورة).
حزن واكتئاب
ولكن الاختصاصية النفسية شيماء متوكل الناجي ترى أن الثوار كان أملهم في الثورة، وتقول لـ (الانتباهة) إنهم اجتهدوا ونجحوا في تغير النظام، ولكنهم عاشوا في قلق وتوتر وزعزعة نفسية، على حد تعبيرها، وتمضي قائلة: (في فض الاعتصام حدث ما حدث للثوار، وكان هنا الأثر النفسي الذي يتمثل في قتل واعتقال واختفاء الثوار، مما تسبب في كثير من المشكلات والاضطرابات النفسية والصدمة والاكتئاب الحاد)، وأضافت قائلة: (حتى الآن الشباب في حالة يأس واكتئاب بسبب موت الثوار وعدم تحقيق مطالب الثوار، وهذه الآثار النفسية قد تسبب اضرابات داخلية مستمرة لبعض الشخصيات لا يستطيعون الخروج منها)، وحذرت من إعاقة نمط حياتهم الطبيعية والاثر الكبير في الحياة المستقبلية، وتابعت قائلة: (يجب على الأسر متابعة ابنائها والذهاب الى الاختصاصي النفسي لمعالجة الفقد والحزن والاكتئاب).
إصابة وفقدان
ولا يخفى على أحد ما تمر به البلاد من أزمات سياسية واقتصادية معقدة أثرت في الجميع، فهناك من يعيش حالة نفسية سيئة، وهناك من هاجر بحثاً عن حياة افضل، ولكن البعض الآخر فضل البقاء في السودان على امل ان تتحقق كل الآمال، ففي عام 2018‪م خرجت تظاهرات كبيرة في مختلف أنحاء البلاد أدت إلى سقوط حكومة الإنقاذ، ولكن حتى بعد السقوط استمرت التظاهرات إلى الآن، مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء وإصابة آخرين، فبعض من مصابي الثورة اصيبوا بأمراض نفسية جراء فقدناهم جزءاً من الأعضاء، وكشف مسؤول المكتب الطبي لمصابي الثورة مصطفى احمد لـ (الانتباهة) أن عدد الإصابات بالامراض النفسية تجاوز (٥٠٠) إصابة، وقال: (الإصابات مشتركة ولكن النساء اكثر)، مشيراً الى ان الإصابات التي لحقت بالمتظاهرين كثيرة منها فقدان الاطراف والاعين واصابات اخرى مختلفة، وبلغ عدد مصابي الثورة (٨٩٤١) مصاباً.

اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب
زر الذهاب إلى الأعلى