مسابقة عيون الشباب على التنمية

ذكرى السادس من أبريل الاقتصاد.. دوام الحال من المحال

الخرطوم: هنادي النور ــ هالة حافظ

مرت اربعة اعوام بشروق صباح اليوم الخميس الذي يوافق السادس من ابريل، ذلك التاريخ الذي سطر بداية انهيار نظام الانقاذ باعتصام القيادة العامة الشهير الذي افضى في الحادي عشر من ذات الشهر عام 2019م الى سقوط حكم البشير. وبمرور الذكرى الرابعة تباينت الآراء الاقتصادية ما بين متفائل ومتشائم، ومنهم من قال إن الثورة تم خطفها ولم تلب طموحات الشعب بسبب التحديات الماثلة، وآخرون ذهبوا الى شعورهم بالاسف الشديد لما وصفوه بالإسفاف وعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه الوطن، وقالوا ان الشعب موعود بمزيد من الضغط حد الاختناق على حد تعبيرهم.
أحلام وردية
وبعد الثورة الشعبية التي خرجت في 2019م حينما بلغ سعر قطعة الخبز آنذاك جنيهاً بدلاً من خمسين قرشاً خرجت جموع السودانيين من أجل الإصلاح الاقتصادي والرفاهية في مشهد ثوري انتظم على مستوى الثماني عشرة ولاية متطلعة لغد أفضل.
الإصلاحات الاقتصادية التي تم إجراؤها خلال السنوات الاخيرة كانت اشبه بالمسكنات ولم ترق لدرجة حل المشكلات من جذورها، لذلك لم ينعم السودانيون وبعد اربعة اعوام من ثورتهم بوضع اقتصادي أفضل في ظل تجاهل للتنمية والموارد المهولة التي تعج بها البلاد من ذهب وثروة حيوانية وموارد ظاهر الأرض وباطنها، حيث لم يلتمس المواطنون ما هو ملموس على أرض الواقع لاصلاح الحال المائل، وذات الشيء جعل التساؤلات تتقافز الى الاذهان من على شاكلة أين تذهب موارد الدولة والعائد منها؟ واين ذلك الاقتصاد الذي كنا نمني أنفسنا به ما بعد الثورة ام كانت احلاماً وردية؟
الشاهد يقول إن النخب السياسية كانت احد اهم الاسباب التي اقعدت الاقتصاد السوداني وقتلوا أماني الشعب بالحصول على حقهم الطبيعي بوضع اقتصادي معافى ومستقر، فالكل يمسك بسكينته لتقسيم (الكيكة) واخذ القطعة الأكبر، لذلك يستحيل الالتفاف حول اتفاق يرضي الجميع في ظل غياب إرادة وطنية خالصة وصادقة تجعل الوطن والمواطن نصب اعينها، الامر الذي جعل خبراء الاقتصاد يرسمون صورة ضبابية عن المشهد برمته، حيث ان واقع المؤشرات تذهب الى استمرار المعاناة وتجدد الازمات من وقود ودقيق وغاز، وذلك نتاج غياب الاصلاح الحقيقي وتساقط شعارات الثورة كأوراق الخريف بسبب النخب والقادة.
فقد كانت نسبة التضخم في عام ٢٠١٩م ٥١% وبلغ أقصى معدلاته في عام ٢٠٢١م حيث بلغت نسبته ٤٢٢،٧٨%، وصولا إلى ٦٣،٣١% في فبراير المنصرم، مما يدل على خطف الثورة وشعاراتها ومطالبها التي من أهمها تحسين الوضع الاقتصادي بل الوصول للرفاهية.
لذلك لا قرابة أن يكون سعر الصرف في السوق الموازية في ٢٠٢٠م ٢٩٠ جنيهاً مقارنة بـ ١٢٠ جنيهاً بنهاية ٢٠١٩م، فيما يبلغ السعر الرسمي ٥٥ جنيهاً للدولار الواحد.
وخلال حكومتي رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك فإن أسعار السلع ارتفعت بنسب تتراوح بين 200% و 300% خلال عام الانقلاب، وارتفع سعر الخبز أكثر من (عشرة) أضعاف، بينما شهدت السلع الأخرى ارتفاعاً في الأسعار يتراوح بين 200% و 300%، كما قفزت أسعار البنزين والديزل بأكثر من 135%،
وبالتالي فإن الوضع المعيشي للمواطنين تفاقم نظراً لارتفاع التكلفة بشكل قياسي، حيث تعرضت الأسر السودانية الضعيفة لخطر انعدام الأمن الغذائي، وفي الوقت الحالي يواجه حوالى 30% من السكان خطر المجاعة وفق التقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن، وذلك بسبب السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أشعلت نار التضخم وانخفضت مستويات المعيشية لكثير من الأسر ذات الدخل المتدني.
انكماش الاقتصاد
والمتابع لتحركات وتصريحات المسؤولين بالمنابر الإعلامية التي تتم فيها استضافتهم يلتمس بوضوح احاديثهم العامة التي تخلو من البرامج الاقتصادية، وكل التركيز منصب على وتيرة احداث المشهد السياسي وعدم اعتمادهم توصيل رسائل مطمئنة للمواطنين حول رؤية اقتصادية خالية من اية مقبلات سياسية.
ويقول الخبير المصرفي لؤي عبد المنعم انه بعد مرور أربع سنوات على الثورة السودانية مازالت الأوضاع الاقتصادية تواجه منعطفاً خطيراً دون أي تقدم، وذلك في ظل وضع سياسي معقد تشهده الساحة من تشاكس وتنافر وانقسام حاد، الامر الذي قطعاً سيؤثر في اية حكومة يمكن أن تأتي في ظل هذا الخلاف وعدم التوافق.
واضاف لؤي خلال تعليقه لــ (الانتباهة) أن ما يحدث من عثرات في الاقتصاد السوداني والتراجع الحالي مقبول الى حد ما لجهة ان  الانهيار الكامل لم يحدث، واردف قائلاً: (حال مرت اية دولة أخرى بما مرت به بلادنا لانهارت في وقت مبكر، وبما ان ذلك تأخر في السودان حتى هذه اللحظة يمكن أن يقرأ في سياق ان اقتصاد السودان منكمش على نفسه)، مشيراً إلى أن ميزانية السودان قليلة، وحال كان مبلغ الميزانية كبيراً فإن الانهيار سيكون اكبر، ويتابع محدثي في افادته ويقول: (لمحدودية الاقتصاد السوداني فإن اية مساعدات خارجية بامكانها أن تنقذ الوضع).
واعتبر لؤي ان السودان اضحى يعيش على المساعدات التي يدفع ثمنها بالتدخل في الشأن السوداني، لافتاً الى ان سياسة المساعدات والايرادات المحدودة الناجمة عن السياسات القاصرة غير قادر على الاستمرار، لجهة ان اقتصاد البلاد مأزوم ومنكمش، الا انه حال كان اقتصاد السودان كبيراً مثل الاقتصاد المصري ــ على سبيل المثال ــ فإن الانهيار سيكون كبيراً.
ونبه لؤي الى أن الحكومة تخلت عن كثير من مهامها التنموية، وظهر هذا الأمر في عدم الحفاظ على البيئة، حيث يعيش المواطن على الحد الأدنى والدولة متكفلة فقط بالأجور وتخلت عن التنمية واتجهت للجبايات وتخلت عن مهامها الأساسية، في ظل شعب راضٍ بهذا الوضع لذلك لا يشعر بالفروقات، واضاف ان المواطن اعتاد على عدم توفر الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه وعدم التدخل في أسعار الوقود وغيرها، كما تأقلم على اعاشة الدولة بالجبايات من دخله المحدود، واختتم محدثي افادته قائلاً: (الأمور ماشة بالبركة ورزق اليوم باليوم ولا تنطبق علينا مواصفات الدولة الحقيقية).
آيديولوجيات مدمرة
وبدوره يقول الخبير الاقتصادي د. وائل فهمي ان حكومة ما بعد الثورة واصلت في تنفيذ سياسات النظام البائد النيوليبرالية التضخمية/ الانكماشية لمؤسسات (بريتون وودز) للاقتصاد السوداني بل واعنف منها، تحت مبررات الخروج من حفرة الديون الخارجية التي بلغت ٦٠ مليار دولار، وكانت نتاج الحكومات العسكرية منذ حكم النميري ومن بعده عمر البشير، واضاف ان الشعب غني بموارده التي لا حصر لها غير انه لم يستفد منها  في تحقيق اية تنمية اقتصادية او اجتماعية، بالمقارنة مع مختلف الدول حول العالم اليوم، مشيراً الى ان حكومات الفترة الانتقالية استمرت في فرض زيادة ضغوط سياساتها الاقتصادية التقشفية الحادة، كالتخفيض للجنيه وزيادة الضرائب ورفع الدعومات والتحرير العام شاملاً الدواء والعلاج والنقل، وذلك الى حدود هجرة المواطنين ورؤوس الاموال، وترك البلاد للعيش بكرامة وانسانية وطمأنينة لهم ولاجيال المستقبل بدول المهجر، وقد قاتل اعضاء اللجنة الاقتصادية الاولى لقوى الثورة خلال الاعوام الاربعة العجاف ضد تلك السياسات التي كانوا يعلمون بقوة تدميرها للاقتصاد الوطني ومعيشة مواطنيه، وذلك في مساندة صريحة لدعم تحقيق احلام الشعب في التحرر من سياسات التحرير تلك القاتلة لتلك لاحلامه المستقبلية.
ورغم اعتراف محدثي بالحصار المالي والاقتصادي والسياسي الا ان هناك ايضاً دولاً حول العالم قد طبقت ذات هذه السياسات ولم تكن تعاني من مشكلة الحصار، وترتبت عليها نتائج لا تختلف عن ذات النتائج التي تحققت بالسودان (المحاصر)، وذلك متجسد في تزايد الفقر والاقتراض من الخارج بغرض التخلص من الديون القديمة، بل واصل تراكم الديون باكثر مما سبق وتآكل القاعدة الانتاجية للاقتصاد وارتفاع مستمر في الاسعار يفاقم كارثة التدهور المعيشي الذي يعيشه حالياً الشعب السوداني.
ويواصل د. وائل في معرض تعليقه ويقول: (المدهش ان هذه السياسات النيوليبرالية التضخمية لا تتأثر او تجمد او تترك او تتغير حتى في احلك الظروف المحلية والدولية غير المواتية لها، وذلك كفترة معاناة كل الدول والشعوب والاقتصاديات من وباء الكورونا، فقد استمرت حكومات الفترة الانتقالية في تنفيذ ذات السياسات التي ضيقت على معاش الناس في اقتصاد الاجور الحقيقية المنخفضة، لتعمل على زيادة تخفيضها باستمرار حتى وصولها الى ثلاثة ايام في الشهر، مع تفاوت رهيب ومخجل في توزيع الدخل والثروة القومية على نطاق الشعب باكمله ناهيك على مستوى الوحدات الحكومية فيما بين الموظفين انفسهم، وفاقمت تلك السياسات النيوليبرالية التضخمية لاغراض الانكماش واستدامة ما يسمى التمكن من سداد الديون خاصة الخارجية، فاقمت الاوضاع الاقتصادية والسياسية والمعيشية للمواطنين بسبب الاصرار الغريب على تبني التضخم كناتج لتلك السياسات المدمرة، املاً منهم في احداث اصلاح اقتصادي لم يتحقق ولن يتم الحصول عليه، وذلك من منظور تعريفات تلك السياسات العديدة المعروفة بقوة مفاقمتها الاوضاع بدلاً من تحسينها).
فكانت النتيجة الواضحة والمستمرة هي الانكماش المستمر لمتوسط دخل الفرد الحقيقي في اقتصاد الاجور المنخفضة، مما يعني معه استمرار تزايد البطالة واغلاق المشروعات القائمة وانعكاس ذلك في تفاقم كارثة الفقر وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وحتى العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية.
عصفور في السماء
وفي جولة لـ (الانتباهة) لاستطلاع الرأي العام افادنا اختصاصي المختبرات الطبية يوسف محمد قرشي قائلاً: (منذ أن جاءت الثورة تراجع الاقتصاد وتدهور بوتيرة سريعة بدءاً بالاحوال المعيشية اليومية ومواطن لا حول له ولا قوة وغياب الخدمات الاساسية، وبعض الناس أصبحوا ينظرون إلى الأشياء كعصفور في السماء، ولا حل يلوح في الافق، وحتى الوعودات وشائعات الأمل اختفت حتى في وسائل التواصل الاجتماعي، ولا قشة يتعلق بها الغريق).
وبدوره يقول الموظف محمد هارون: (ان قياس الوضع الاقتصادي صعب لجهة انه يتأزم كل ساعة بسبب تذبذب سعر الصرف في السوق الموازي والبنوك، مما زاد الارتباك على المنتجين والموردين)، واضاف خلال حديثه لـ (الانتباهة) ان الاسواق بها وفرة واسعار مناسبة غير ان الركود يلازمها، الأمر الذي ادخل التجار في اشكالات مما قاد التجار للبيع بالكسر الذي ستظهر تبعاته السلبية في مقبل الايام، لعدم وضع سياسات رقابية بسبب تقلبات الاوضاع السياسية المعقدة التي جعلت المسؤولين يتجاهلون امر المواطن والاقتصاد، وانتقد محمد عدم اهتمام الدولة بأمر المواطن الذي خرج الى الثورة من أجل التغيير ولكن للأسف الوضع زاد سوءاً، واصبح المواطن والوطن في دائرة مظلمة من المعاناة في سبيل كسب العيش الكريم.

اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب
زر الذهاب إلى الأعلى