السودان: أحمد يوسف التاي يكتب: العودة إلى وكر الثعالب

(1)
جاء في الحوار «الخبطة» الذي أجرته الزميلة المحترمة هبة محمود مع نائب رئيس جهاز الأمن السابق الفريق أول جلال الدين الشيخ، والذي ينشر الجزء الثاني منه بالداخل، جاء فيه على لسان الشيخ : (اخبرنا عبد الرحيم دقلو أن الرئيس ـ المخلوع ـ أبلغه بأن له مبالغ وأموالاً يريد إخراجها من المنزل..!!) وأضاف الشيخ في الحوار: (كان الأمر حقيقة مُحبطاً لنا، لأننا قبل أيام كنا نقوم بمطاردة الذين يمتلكون الدولارات ونقوم بمحاكمتهم، ولذلك قرر أعضاء المجلس العسكري بالإجماع أن يتم نقل الرئيس ـ المخلوع ـ من المكان الذي فيه ويودع في سجن كوبر»…
(2)
حديث الفريق جلال الشيخ عاليه باختصار شديد يعني أن البشير حاول في اللحظات الأخيرة بعد أن فشل في إنقاذ نظامه من السقوط وبعد أن فقد الأمل في كل شيء، حاول إنقاذ المال المسروق وتهريبه، ولهذا تمت مداهمة منزله وضبط الملايين من العملات الصعبة التي كان يخفيها ويمسكها عن خزينة دولته الخاوية.. ويعني أيضاً أن عبدالرحيم دقلو خذله ولم ينفذ أمره وانحاز للحق والثورة مثلما فعل حميدتي أن خالف أوامره بقتل المتظاهرين، وهذه نقطة تُحسب لآل دقلو اختلفنا معهم أو اتفقنا…
(3)
بعد ثلاثين عاماً من حكم البلاد بدا البشير وخاصة بعد محاولة تهريب تلك الأموال واخفائها، بدا في ثوب زعيم مافيا تُهرِّب وتحتكر النقد الأجنبي وتخفيه في خزانتها السرية، وهي جريمة يعاقب عليها القانون الذي أجازه نظامه «قانون الطوارئ»…هذه هي صورة البشير الحقيقية بعد «30» سنة في الحكم… لكن ما هي صورته في تسعينات القرن الماضي عندما جاء لحكم البلاد عن طريق الانقلاب العسكري، وعندما كان يطلق عليهم «الإخوان في مصر» صحابة القرن العشرين..؟
(4)
بعد أيام من انقلاب «الإنقاذ»، نما إلى علم البشير أن بمنزل اسرته يوجد جوال سٌكر ،وكان السُّكر معدوم تماماً في الأسواق، فهاج وماج وغادر المكتب وانفجر غاضباً في وجه أهل بيته: كيف تحوزون على جوال سكر والشعب السوداني لا يستطيع الحصول على أوقية سكر؟ كيف أقابل ربي يوم القيامة؟ ماذا أقول له؟..!!! وما هدأ الرئيس الغاضب «الخائف من حساب الله» إلا بعد أن عرف أن جوال السكر ارسله لـ «أمه» ابن اختها المغترب..!!
(5)
ما بين البشير نسخة (90) الذي يخاف أن يحاسبه الله بوجود جوال سكر بمنزله، والبشير (2019) الذي يسعى لتهريب النقد الأجنبي المخفي بمنزله بعد السقوط، تتكشَّف الأشياء وتبدو الحقائق عارية لا تحتاج إلى ثياب الرياء والكذب والنفاق، ولا تحتاج إلى جدال ومغالطات.. ولكم أن تقارنوا بين شخص يغضب لوجود جوال سكر بمنزله يخشى أن يسأله الله يوم القيامة عنه، ثم يختم حياته بالاستيلاء على الملايين من النقد الأجنبي ويخفيها عن شعبه، ثم يحاول في آخر لحظة «إنقاذها» بعد أن فشل في «إنقاذ» نظامه من السقوط …أعتقد أن هذه المقارنة بين المشهدين والانحدار الذي حدث لهو كافٍ لإقناع البسطاء مِمّن يرخون سمعهم لشياطين الإنس الذين ما فتئوا يزينون لهم عودة «الثعالب» إلى الوكر القديم… نجوعُ ونعرى ونتألم ولن نرجع إلى عتمة الليل بعد أن أبصرنا النور….اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.