مسابقة عيون الشباب على التنمية

نائب رئيس جهاز الأمن السابق وعضو المجلس العسكري الفريق أول جلال الدين الشيخ لـ(الانتباهة): البرهان هو المسؤول أمام التاريخ والشـعـب ويجـب أن يـنتفض

حوار :هبة محمود سعيد

] ظل ملازماً للصمت مختفياً عن الأضواء معتذراً عن المقابلات الصحفية لنحو عام ونصف العام، منذ سقوط نظام البشير في أبريل ٢٠١٩م ومن ثم تقديم استقالته من عضوية المجلس العسكري، الا من مقطع فيديو ظهر عبره متحدثاً خلال جلسة أسرية عن دوره في التغيير، ليتوارى بعد ذلك تماماً عن الأنظار.
وبدا الفريق أول جلال الدين الشيخ وهو يتحدث مسترجعاً تفاصيل فترة عصية لنهاية نظام استمر ثلاثين عاماً، أكثر إيماناً واقتناعاً بالتغيير الذي احدثوه، بعد أن كان هو من قام بإقناع وزير الدفاع ورئيس جهاز المخابرات بضرورة تنحي البشير لحقن الدماء والحفاظ على ارواح المواطنين على حد تعبيره، غير أنه في ذات الوقت شدد على أن التغيير لا يمكن نسبه لفرد وإنما عمل جماعي، بعد أن دفع احتقان المشهد وقتها قادة الاجهزة الامنية وباجماع للانحياز للشعب.
تفاصيل كثيرة كشف عنها رجل الجهاز الثاني وهو يسرد لـ (الإنتباهة) كيف أن مجريات الأحداث وتعنت البشير في البقاء على سدة الحكم لحين قيام انتخابات ٢٠٢٠م هي التي دفعتهم للضرورة التغيير، مفصحاً عن أسباب بقائه ضمن تشكيلة المجلس العسكري رغم اعتذاره، وكيف انه قام بترشيح البرهان لرئاسة المجلس العسكري، وماذا عما وصفها بالمكايدات التي جعلتهم (هو وزين العابدين والطيب) يتقدمون باستقالاتهم، وما هي الأسباب التي جعلتهم يعدلون عن موقفهم بضرورة نقل البشير إلى سجن كوبر، ولماذا طلب الرئيس السابق مقابلة عبد الرحيم دقلو؟؟ كل ذلك وأكثر تجدونه في سياق الحوار التالي::

] في الحلقة السابقة ذكرت انك قمت باسداء النصح للفريق اول بن عوف حول رفض الشارع له على اعتبار أنه أحد رموز النظام السابق، فعلى الصعيد الشخصي لماذا قبلت ان تكون انت ضمن تشكيلة المجلس العسكري وانت أيضاً تعتبر رمزاً ونائب رئيس جهاز الأمن، لماذا تركت الأمر لهتافات الشارع؟
ــ للأمانة والتاريخ فقد ذكرت للأخوين قوش وحميدتي أن التغيير إذا تم فلا انا ولا قوش يجب أن يكونا ضمن طاقم الحكم الجديد، لأننا محسوبيْن على النظام، وبغض النظر عما قمنا به، وهذا نفس الحديث قلته بعد أن تم التغيير لابن عوف واعتذرت له عن الانضمام لعضوية المجلس العسكري ولكنه أصر، وللتاريخ فإنني صبيحة يوم التغيير جلست بالمنزل وأرسلت له رسالة اعتذار، لذا عندما هتف بعض الثوار بتنحيَّ لم استغرب، كما ان هناك رغبة من والدي في هذا التنحي .
] قمت باسداء النصح لابن عوف وقوش ولك، فهل وجهت النصح لحميدتي؟
ــ للأمانة الأجهزة الأمنية مهما كانت مبرأة وحيادية ومهنية في عملها الا انها لدى العامة محسوبة على النظام، ولم أقدم له النصح لأنه قوات عسكرية نظرة الشارع تختلف لها عن الجهاز.
] لكنه قوة لها حساباتها المختلفة وتحسب أيضاً على النظام السابق، اما خشيتك ان يرفض الشارع حميدتي؟
ــ كانت هنالك توقعات بأن يقابل برفض من الشارع وقد حدث، ولكن ما يهم أن هذه القوات مارست كل مهامها بانضباط ومازالت ومواصلة.
] دعني أعود بك إلى رفضك أن تكون ضمن تشكيلة المجلس العسكري واعتذارك للفريق اول ابن عوف، لماذا كنت إذن ضمن تشكيلة المجلس عقب تولي البرهان رئاسته؟
ــ البرهان أصر على أن يضعني في التشكيلة، واعتذرت له أيضاً وقال لي انت قمت بترشيحي للمنصب (وتكييسي) ولن تتركني في هذه (المعمعة) وتذهب، .
وهنا اقول ان الحكم ليس سهلاً ولا نزهة، واكاد أجزم بأن البرهان ومن معه على سدة الحكم الآن هم أشقى الناس وفي حالة هم وغم دائمين، وصراحة الحكم قطعة من جهنم ونسأل الله لهم اللطف.
] انت من رشحت البرهان لرئاسة المجلس العسكري عقب تنحي ابن عوف؟
ــ نعم .
] لماذا؟
لأنه ليست هناك شبهات حوله بانتمائه للنظام السابق، كما أنه عسكري قح مشهود له بالكفاءة والصدق والأمانة ومحبوب وسط العسكريين، كما أنه عندما تم تكليفه من قبل اللجنة الأمنية العليا بزيارة موقع الاعتصام والتحدث مع المعتصمين خلقت له الزيارة شعبية.
] ما هي الخيارات وقتها المرشحة لخلافة ابن عوف؟
ــ لم تكن هناك خيارات، نحن كانت لدينا نظرة في من هو الأنسب لقيادة التغيير.
] بعد تشكيلة المجلس ما الذي حدث وكيف بدأت تسير الأمور حتى وصل الأمر الى الإصرار على تقديم الاستقالة؟
ــ  اولاً انا قبلت بعضوية المجلس بإصرار من البرهان لأنه صديقي وابن دفعتي، وبعد ذلك تم تكليفي وعمر زين العابدين والكباشي والعطا بتولي اللجنة السياسية، وبالفعل قمنا بمخاطبة جميع الأحزاب السياسية عدا حزب المؤتمر الوطني، وجميعهم أجمعوا على أنهم غير راغبين في المشاركة في الحكم في الفترة الانتقالية، وان يتم تعيين حكومة كفاءات وطنية، لكن الخلاف كان في مدة الفترة الانتقالية.
عقب حالة الشد والجذب في التفاوض بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري، أعلنت قوى الحرية والتغيير انها سوف تقوم بتشكيل حكومتها من داخل مقر الاعتصام، فقمنا باستدعائهم وقلنا لهم إن تصريحاً مثل هذا يعد أمراً خطيراً، وسوف يضع البلاد على خطى (حفتر) وهو غير مقبول، وكانت مواجهة ساخنة بيننا، فقام صديق يوسف بالرد علينا بأنهم اعلنوا ذلك لأن الاعتصام بدأ ينفض وأنهم ارادوا استقطاب الثوار للعودة لأرض الاعتصام. وهذه المواجهات الساخنة بيننا وبينهم جعلتهم يطلبون حواراً خاصاً مع الرئيس ونائبه، وقبلها اعلنوا وقف التفاوض مع المجلس العسكري، لكنهم اعلنوا لاحقاً مواصلة الحوار، شريطة أن تتم مغادرتنا المناصب نحن الثلاثة (انا وعمر زين العابدين والطيب)، وقد كنت اول المتحدثين في اجتماع المجلس العسكري الراتب، وقلت لهم عقب ابلاغنا إن هدفنا ليس السلطة وإنما الانتقال بهدوء سلسل، وإذا كانت استقالتنا تحقق ذلك فنحن اسعد ما نكون بذلك، وخرجنا دون عودة وقدمنا استقالتنا يوم ٢٤ أبريل ٢٠١٩م. وما جاء في هذه الاستقالة هو ما استقر عليه رأينا نحن الثلاثة، وقدم كل منا استقالته وبذات الصيغة التي صغناها جميعاً.
] يعني لم يكن الشارع هو الذي نادى بذهابكم وإنما الحرية والتغيير؟
ــ نعم
] مكايدات؟
ــ نعم، وذهبنا وانصرفنا إلى معايشنا.
] بالعودة إلى الحديث حول دور قوش في هذا التغيير، ما هي المخاوف التي دعت البشير وقتها لعزله من منصبه وتعيين عبد الرحيم بدلاً منه؟
ــ لا علم لي بمخاوف الرئيس، وما أعلمه أن قوش كان يؤدي مهامه مديراً للجهاز حتى لحظة إذاعة البيان، ولم يحضر إلينا عبد الرحيم محمد حسين بوصفه مديراً للجهاز، كما لم يصلنا قرار بتعيينه، وما بثته قناة (العربية) في هذا الشأن محض خيال.
] لكن ما يقال حول تولي عبد الرحيم مهام جهاز الأمن بأمر من الرئيس حقيقة…؟
ــ انا اتحدث لك بحسب المعلومات الموجودة لدى، وإذا كان الرئيس أراد ذلك فلم يتوج الأمر بخطاب رسمي وتكليف معلن.
] كيف كان ينظر قوش للحراك والمشهد وقتها؟
ــ قوش كان في بداية الأمر ينظر للحراك على انه لا بد من معالجات وان كانت قاسية تجاه المتظاهرين، لأنه وقتها ثبت لنا وجود خلايا وبعض الجهات الداعمة التي تريد دفع المتظاهرين للعنف، ولذلك في البداية تجدونه كان غير متساهل، ولكن بعد أن استفحلت الأزمة الاقتصادية والمعاناة التي يعيشها المواطن بدأ يشكل قناعات مختلفة، سيما عقب تخلي الرئيس عما وعد به في خطابه الأخير في فبراير ٢٠١٩م.
] يعني يمكن القول إن قوش بعد يوم ٢٢ فبراير أصبح مختلفاً عما قبله؟
ــ نعم أصبح في منصة أخرى، ولعل خطابه لضباط وضباط صف وجنود هيئة العمليات بأن يكونوا رسل سلام والا يعتدوا على احد ولا يسيئوا لأحد ويقابلوا الإساءة بالإحسان، كل ذلك يؤكد أنه انتقل لمنصة أخرى.
] هناك حديث عن سعي قوش للسلطة، لكنه لم يتوقع أن يرفضه الشارع، كما أنه كان يعتقد أن يحفظ له الشارع جميل صنيعه، لكن الدماء كانت أغلى من أن تنسى؟
ــ هذا الأمر وبمعرفتي اللصيقة بقوش  فإنه لم يسع للسلطة، بل أنه عندما استبعد من المجلس قال إن كل امكاناته طوع بنان المجلس وإنه مستعد لأي تكليف.. وقوش رجل مخابرات من طراز فريد، وهو يقرأ ويحلل جيداً، لذا لا استبعد ان استبعاده عن المجلس كان لقراءته الشارع.
] هل ذهب من نفسه؟
ــ لا.. تم اعفاؤه.
] لماذا تم وضعه إذن ضمن التشكيلة منذ البداية؟
ــ لدوره الذي قام به في الانحياز، لكن عندما شعر المجلس برفض الشارع له تم اعفاؤه.
] كيف تقبل الأمر؟
ــ بروح طيبة جداً.
] لماذا تأخرتم في إيداع الرئيس في السجن، وهل استجبتم للشارع وسارعتم بنقله لكوبر؟
ــ  القوات المسلحة لديها اعراف وتقاليد موروثة في التعامل مع القادة، بل ومع كافة منسوبيها، فهذه الأعراف والتقاليد تحفظ لأي قائد حقه الأدبي والانضباط في التعامل حتى ولو كان مصيره الرمي بالرصاص، لذا كنا بداية نود أن نعامل الرئيس وفقاً لهذه التقاليد والأعراف.
] ما الذي حدث بعد ذلك؟
ــ الذي حدث أن الرئيس قام وقتها بطلب مقابلة عبد الرحيم دقلو، وتم اخذ الإذن منا وسمحنا له بذلك، وقام بمقابلته، وعندما جاء إلينا اخبرنا بأن الرئيس أبلغه بأن له مبالغ وأموالاً يريد إخراجها من المنزل.. وكان الأمر حقيقة محبطاً لنا، لأننا قبل أيام كنا نقوم بمطاردة الذين يمتلكون الدولارات ونقوم بمحاكمتهم، ولذلك قرر أعضاء المجلس العسكري بالإجماع أن يتم نقل الرئيس من المكان الذي فيه ويودع في سجن كوبر.
] لماذا طلب مقابلة عبد الرحيم دقلو تحديداً؟
ــ لا نعلم هذا تقديره هو، ونحن أُبلغنا في المجلس العسكري بذلك.
] يعني إيداع الرئيس في السجن لم يكن استجابة لضغط الشارع وقوى الحرية والتغيير؟
ــ الشارع اصلاً ينادي بذلك، ولكن ليس كل ما ينادي به الشارع تتم الاستجابة له، ونحن اودعناه في كوبر لأنه كان يمتلك أموالاً، وكنا نعلم أن الرئيس سوف يخضع للمحاكمات، لكن نحن لم نكن معنيين بها كحكومة انتقالية.
] كيف لم تكونوا معنيين بها هذه من مهامكم؟
ــ كان الأمر أن يتم وضعهم في اقامات جبرية، وتأتي الحكومة المنتخبة وتقوم بمحاكمتهم، على أن تنحصر مهمتنا في العبور بسلام ومعالجة الأزمة الاقتصادية وتهيئة الأجواء للانتخابات وان تظل علاقاتنا مع الدول ممتدة، ودعونا للحوار واعلنا وقف إطلاق النار .
] هذا ما كنتم تخططون له سابقاً، لكن الآن بعد ان تنحيتم عن المشهد كيف تنظرون للأوضاع؟
ــ أصبنا بخيبة امل، لأن التغيير بأهدافه السامية التي خرج لأجلها الشباب تمخضت فأراً، بل بالعكس انا في قراءتي للمشهد الآن فإن البلاد تدحرجت الى هاوية سحيقة، أضف إلى ذلك ــ وهو أخطر شيء ــ روح الإحباط التي سيطرت على الجميع.. والمشهد الآن اصبح مكايدات ومحاصصات وتصفية حسابات، والناس تدور في حلقة مفرغة، وما لم تستفد الحكومة من أخطاء النظام السابق وتستفيد من النصح في ما يطرح من آراء سيكون مصير هذه الحكومة مصير الإنقاذ.
] هل انتم نادمون على التغيير؟
ــ انا لم اندم عليه ولكنني أصبت بخيبة امل.
] بحكم علاقتك بالرئيس البرهان هل تتقدم لهم بالنصح؟
ــ نعم، فبما يمليه علينا حق المواطنة والزمالة نقدم له نصح.
] هل يراودك في أوقات احساس بأن على البرهان الانتفاض على هذا الوضع الذي تعيشه البلاد؟
ــ البرهان هو المسؤول أمام التاريخ وأمام الشعب باعتباره من قاد التغيير ورئيس مجلس السيادة، لذا جراء هذه المسؤولية يستوجب عليه ألا يترك الحبل على الغارب لأصحاب الأجندات، ويجب عليه وكل حكومته الالتزام بمهام الفترة الانتقالية، وعليه أن يراجع ويستحضر الأسباب والدوافع التي دفعت الشعب لإنهاء حكم البشير وإيجاد معالجات لهذه الأسباب، لذا انتفاضته مهمة ومطلوبة وستجد التأييد.
] (انتفاضة) كلمة يمكن أن تفهم في سياق الانقلاب العسكري؟
ــ لا لا لا….. انا لا أعني بالانتفاضة الانقلاب العسكري، لأنه لن يكتب له النجاح ولن يعالج هذه الأمور، واقصد بالانتفاض اخذ الأمور بقوة أكثر والا يخشى في الحق لومة لائم.
] في رأيك ما هو المخرج؟
ــ الخرج هو حل الحكومة الحالية واستلام القوات المسلحة البلاد بصورة جادة لفترة أقصاها عامان، ثم تجري انتخابات بمراقبة دولية.
] هل انت على تواصل مع قوش وكيف ينظر لما آل إليه حال البلاد الآن؟
ــ لا والله لا يوجد تواصل بيننا الا نادراً .
] اخيراً كيف نظرت لحل هيئة العمليات؟
ــ أكبر خطأ تاريخي هو حل الهيئة، وتأثيره الأمني إذا لم يظهر الآن فسوف يظهر على المدى القريب والبعيد.. وتشاورت انا قوش حول الهيئة قبل التغيير وأن الهيئة بحاجة لإعادة النظر في إعادة تأهيلها وتحديد مهامها، لأنها منذ إنشائها أصبحت ذات طبيعة قتالية، وعندما تم الاحتياج إليها لعمليات الأمن الداخلي جاءت بهذه النزعة القتالية، ولذلك كما ذكرت لك كانت هناك نية إعادة نظر لتأهليها.. لكن الهيئة كجسم كان لا بد أن تكون باقية..
والمهددات التي تحيط بالسودان مازالت موجودة بل وازدادت، وهذه الهيئة كان يمكن توظيفها التوظيف الامثل وعمل المعالجات المثلى وليس حلها بجرة قلم. والقرار غير صائب وهناك من ينادي بحل الجهاز كله دون وعي..
ونحن نعلم أن هناك من لديهم دوافع.. فالجهاز يلاحق المفسدين ولا اقول انه مبرأ، لكن الشاذ لا حكم له، والتصرف الفردي يجب ألا يحكم عليه حال مؤسسة كاملة.

اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب
زر الذهاب إلى الأعلى