في خضم المهددات العديدة.. (البصاصون).. هل يحمون التحول الديمقراطي؟

الخرطوم: أحمد طه صديق
(لو في خمسة أشخاص بكون عندنا فيهم ثلاثة)، هكذا قال مدير جهاز الأمن والمخبارات في العهد البائد صلاح عبد الله قوش في أحد الحوارات الصحفية في وقت سابق، والعبارة رغم صيغة المبالغة في مضمونها، لكن مع ذلك تعبر عن حجم التمدد الكبير في عدد المصادر التي يتعامل معها جهاز أمن (الإنقاذ)، فالنظام كان يرى أن تثبيته في سدة الحكم وحمايته لا تتم إلا عبر آلية المخابرات، بالرغم من أنه كان أيضاً يعتمد على جهاز الأمن الشعبي في مجال المعلومات، الا أن سلطة الإنقاذ تدرك أن العمل الاحترافي عبر كوادر مدربة على الوسائل الأمنية المتعددة من رقابة واختراق للعناصر أو للجهات المستهدفة والتعامل مع الوسائل التقنية المختلفة في عالم المخابرات، لا يتوفر في منظومة شعبية غير مدربة، لهذا فقد عملت على توفير الميزانيات الضخمة لجهاز الأمن بغرض تسيير أعماله وتوفير المعينات المختلفة لأداء دوره على الوجه الأكمل.
اهتمام مبكر بالمعلومات
قبل أن تستولي الجبهة الإسلامية على الحكم في الثلاثين من يونيو 1989م بعد أن أطاحت بالنظام الديمقراطي برئاسة رئيس الوزراء الإمام الصادق المهدي، كانت لها اهتمامات كبيرة وحثيثة بجمع المعلومات التي تعينها في العمل السياسي، خاصة عند خوضها المعتركات الانتخابية، ويقول أحد أعضاء الحركة الإسلامية المخضرمين إن لهم عيوناً في جل المناطق السكنية، ويجمعون المعلومات عن هوية السكان واتجاهاتهم السياسية وتأهيلهم العلمي والعدد التقريبي لتعدادهم، وهو أمر كما قال يساعدهم كثيراً في العملية الانتخابية، فهم من خلال تلك المعلومات يدركون حجم عدد المؤيدين لهم أو المعارضين أو المستقلين القابلين للاستقطاب.
صافرة البداية
وعقب نجاح انقلاب (الإنقاذ) لجأ إلى الاستعانة ببعض الكوادر التي لها سابق معرفة في جمع المعلومات والعمل التأميني داخل الحزب وكوادر شبابية ملتزمة بالتنظيم الإسلامي.
وتولى رئاسة الجهاز في بواكير عمله د. نافع علي نافع، حيث عرف النظام في عهده بالتشدد والقسوة مع المعارضين السياسيين، وراج على نظاق واسع ما تسمى (ببيوت الأشباح) التي كان يعذب في داخلها المعتقلون، وإبان فترته تورط الجهاز في عملية اغتيال حسني مبارك، وقام على إثرها البشير بإقالته من منصبه وتعيين اللواء صلاح قوش الذي تمت ترقيته لرتبة فريق، ثم أطيح به في عام 2009م وتعيين المهندس محمد عطا رئيساً للجهاز بعد محاولة انقلابية لم تتم دبرها عدد من العسكريين والمدنيين المنتمين للتنظيم الإسلامي، الا أن الرئيس المخلوع أعاد الفريق قوش مجدداً للعمل في عام 2018م، ربما لأن عهده شهد تماسك الجهاز من النواحي التنظيمية والإدارية والتمدد في كل المرافق العامة والخاصة من خلال عيونه بل حتى في خارج حدود البلاد.
المخابرات هل تحمي الفترة الانتقالية؟
يرى العديد من المتابعين أن الفترة الانتقالية تواجه مهددات تهدد وجودها في ظل الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تعايشها البلاد والاضطرابات الأهلية المتصاعدة، ووجود نشاط محموم من النظام المباد يتربص بالثورة ويعمل على إجهاضها بكافة السبل، بالإضافة إلى قوى أخرى تريد استغلال الأوضاع المتردية لتصعد عبرها لسدة الحكم.
وفي تلك الأجواء القاتمة والمطبات الكثيرة التي تواجه الحكومة والتحول الديمقراطي في الفترة الانتقالية، يرى العديد من المراقبين أن الحكومة المدنية بدت كأنها مكسورة الجناح ولا بلا سند أو أسنان أو أسنة تحمي بها مسيرتها وتزيل بها الألغام والمتاريس التي تواجهها في مسيرتها، سواء كانت بفعل التحديات الموروثة والطارئة أو بفعل المعيقات المفتعلة من قبل قوى النظام السابق، ويرون إن جهاز الأمن ممثلاً في جهازه الاقتصادي لم يفعّل دوره حتى الآن بالقدر المطلوب، رغم بعض الجهود التي قام بها في بعض المسارات المهمة، كما أن الأمن السياسي بالطبع ليس مطلوباً منه العودة إلى مربع الاعتقالات، لكن ينتظره دور مهم في متابعة خيوط التآمر التي مازالت تقودها القوى الظلامية في النظام السابق، فهناك تحديات اقتصادية تنتظره في ما يتعلق بتجارة العملة والمساهمة الفاعلة في إزالة العقبات المصطنعة التي تواجه صادر المواشي، والحد من تهريب الذهب والصمغ العربي، وغيرها من السلع المهة التي تتسرب خارج الحدود، وكشف خيوط التآمر التي تغذي الصراعات الأهلية.
أخيراً:
يبدو أن جهاز المخابرات قد فطن الى أن عليه القيام بمهام اكبر، وتفجير العديد من الطاقات التي يملكها من أجل حماية الفترة الانتقالية، وتحقيق عملية التحول الديمقراطي المنشود الذي خرج الملايين من أجله عبر ثورة مهرت بالدماء وشكلت استفتاءً واضحاً بأن نظام (الإنقاذ) قد فقد السند الجماهيري، وأن العقل الجمعي رافض لاستمراريته مهما كان الثمن.
ففي هذا الإطار عقدت اخيراً جهاز المخابرات العامة ورشة عمل تحت عنوان (جهاز المخابرات العامة في عهد التحول الديمقراطي)، وقال مدير المخابرات العامة الفريق إبراهيم مفضل إن البلاد في أمس الحاجة لبورة الرؤى والتخطيط والتنسيق المحكم لمواكبة عملية التحول الديمقراطي، في ظل التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تصاحب عملية التحول. وأشار بحسب (راديو بلادي) إلى أن جهاز المخابرات وضع خططاً واضحة المعالم تدعم مشاركته في إنجاح عملية التحول الديقراطي، ودور مؤسساته في معالجة المهددات التي تواجه استقرار البلاد.
فهل نشهد وقوفاً صلباً لجهاز المخابرات العامة يكتب له في التاريخ أنه قام بحماية الديمقراطية والاستقرار في السودان رغم الموجات والبراكين التي تواجه البلاد، مؤكداً للجميع أنه جهاز مهني ووطني حتى النخاع؟
وهذا ما نتمناه جميعاً بالطبع.