ارتفاع التضخم .. (عجز القادرين عن التمام) !!

الخرطوم: رباب علي
قفزة كبيرة شهدتها معدلات التضخم بالبلاد تجاوزت 212 % لسبتمبر الحالي مقابل 167 % في أغسطس بسبب ارتفاع اسعار المواد الغذائية وإيجار العقارات بحسب الجهاز المركزي للإحصاء،وظل معدل التضخم يسجل ارتفاعا متواترا فبلغ في شهر يوليو 143.78% مقارنة بـ 136.36% لشهر يونيو ، وأرجع الجهاز الارتفاع إلى زيادة تكاليف مجموعة الأغذية والمشروبات مثل الخبز والحبوب والزيوت ، إضافة لارتفاع تكاليف مجموعة النقل بسبب زيادة أسعار تذاكر المواصلات الداخلية اضافة لزيادة أسعار غاز الطهي والفحم النباتي وحطب الوقود والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة والأجهزة المنزلية الكهربائية
انهيار مالي واقتصادي
ويعد ارتفاع معدل التضخم يحوي بين طياته خللا كبيرا في برامج الحكومة لا يسمح بتحسين وضع الجنيه بل استمرار تراجعه مما ينذر بمؤشر كارثي لوجود خلل هيكلي في البناء الاقتصادي،ولعل فشل الحلول التي تطرحها حكومة الفترة الانتقالية لإيقاف تراجع الجنيه في السوق الموازي والذي يدفع التضخم للارتفاع تذهب هباء منثورا نظرا لقلة الصادرات واعتماد البلاد على الواردات.
وفي تعليقه على الارتفاع المتسارع للتضخم قال عضو اللجنة الاقتصادية في قوى الحرية والتغيير عادل خلف الله لـ(الإنتباهة) ان التضخم منذ ان تجاوز الـ 100% حذرنا من خطورة المنحى وانه أصبح جامحا وان لم توجد معالجات مالية ونقدية عاجلة سيترتب عنه انهيار مالي واقتصادي وهو ما نسير نحوه الآن ، لافتا الى ان السبب المباشر لذلك توجهات السياسات المالية والنقدية ومضيها نحو إبعاد الدولة عن دائرة التأثير في الاقتصاد بتقديم تسهيلات لا معنى لها في حصائل الصادر وتتردد في ان تضع الدولة يدها على الثروات المعدنية خاصة الذهب ، الى جانب تركها لأفراد والقطاع الخاص لجلب السلع الضرورية بأسعار السوق الموازي بنسبة مخاطر 10% مما زاد الطلب على النقد الأجنبي وخلقه لطلب وهمي مرادف له ونجمت عن ذلك القفزات المتتالية في نسبة التضخم بدءا من يونيو وحتى الآن.
اختصاص مخالف
وحمل خلف الله شركات الاتصالات جزءا من مسئولية ارتفاع معدل التضخم لجهة انها من أكبر المؤسسات بعد الجهاز المصرفي تسيطر على كتلة نقدية حية وتستفيد من تدني القيمة الضريبية المخصصة لها والمقدرة بـ 7% وتحويلها للكتلة النقدية لشراء المحاصيل والذهب او المضاربة في النقد الأجنبي والعقار ، وقال إن ذلك يتم خارج اختصاصها بتقديم خدمة للمواطن والبلد وليس العمل في المضاربة بكافة أنواعها وهذا يتنافى والعقد المبرم بينها وحكومة السودان.
تجاوز الحد
ويشير الباحث الاقتصادي حسين الخضر في حديثه لـ(الإنتباهة) الى ان الزيادة التي تطرأ على اسعار السلع والخدمات خلال كل شهر وأسبوع ويوم تؤكد ارتفاع التضخم بشكل ملحوظ ، والمتابع للأسعار يلاحظ الزيادة الكبيرة في أسعار السلع الضرورية والاستهلاكية والخدمات بصورة فوق طاقة المستهلك ، وقطع في ذات الأثناء بان مسببات ارتفاع التضخم ما زالت قائمة ومن أهمها تدهور سعر العملة المحلية أمام العملات الصعبة اذ كلما كان سعر العملة المحلية منخفضا ،كانت نسبة التضخم أكبر ، كما ان حجم الكتلة النقدية فى الاقتصاد تجاوزت الحد الآمن بسبب طباعة الدولة لكميات كبيرة من العملة المحلية لشراء الدولار لاستيراد السلع الضرورية كالبترول والقمح والأدوية ، واضاف : في العام 2017 م كان المعدل 34% ، والعام 2018م بلغ 63.2% ، فيما في 2019م وصل الى 54% وبسرعة الصاروخ قفز خلال أقل من عام الى 212%.
ولفت الخضر الى ان موازنة 2020م اقترحت ان يكون المعدل خلال العام 29% فقط والآن ارتفع بجنون الى212% ، وهذا يؤكد ان الحكومة لم تتخذ أي سياسات أو قرارات واجراءات تؤدي الى خفضه ، والتي تبدأ بالانتاج وتشجيع الصادر وضبط الواردات وتشجيع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال ومدخرات المغتربين.
اقتصاد مأزوم
ووافق الخضر حديث خلف الله بقوله ان هنالك شركات الاتصالات وطيران عالمية وبنوك اجنبية والشركات العالمية والتي تعمل على شراء الدولار من السوق الموازي وتحويله للخارج وفي بعض الأحيان تضارب في شراء المحاصيل اضافة الى المضاربة في العملات الصعبة ، كما ان عدم توفر العملة الصعبة لدى البنك المركزي والمصارف الأخرى يقوم المستوردون بتوفير الدولار من السوق الموازي، كما ان الحكومة ووكلاءها الذين يقومون بشراء الدولار من السوق الموازي لاستيراد السلع الضرورية ولتغطية سفريات وفود الحكومة للخارج وشراء الدولار بغرض السفر للعلاج او السياحة أو التعليم ،وهذه المؤشرات تؤكد بلا شك أن الاقتصاد مأزوم ويعاني من اختلالات هيكلية مزمنة.
عجز القائمين
وفي تعليقه على الزيادة المتسارعة للتضخم قال الخبير المصرفي د.عبدالله الرمادي انه دليل على عجز القائمين على الأمر الإتيان بسياسات ومعالجات للحد من التدهور المريع للاقتصاد وارتفاع معدلات التضخم لتآكل القيمة الشرائية للعملة مما يؤدي الى ارتفاع الأسعار. وذكر الرمادي لـ(الإنتباهة) ان تقصير الدولة في محاربة مافيا الأسعار والسلع (الوسطاء) وهو نشاط طفيلي لسنا بحاجة اليه وعلى الدولة ان تهتم بقنوات التوزيع وتشرف عليها لمحاربتهم وتوجيه الاقتصاد بتطبيق النظم التي تتوافق وعاداتنا وقوانينا لإصلاح الاقتصاد بإنشاء شركات عامة تساهم فيها الدولة.
ويرى الرمادي ان الحكومة ثبت عجزها مما لا يدع مجالا للشك ويجب ان لا نخدع أنفسنا واعترف قادتها بذلك ، ودمغ بانها سقطت تماما بارتفاع معدل التضخم وبذات سرعته يتدهور الاقتصاد بسرعة أكبر واندفاع شديد وعدم محاربة التهريب وإغلاق نزيفه تماما ، وهذا لعدم وجود سياسات تلجمها وانشغالها بأمور ليست لها أهمية والقائمون على الأمر لا يفقهون في إدارة البلاد شيئا لذا تأتي الأولويات مختلة.