تصريحات السياسيين .. كلام الليل يمحوه النهار

تقرير: ندى محمد أحمد
بينما ظل موقف تحالف قوى الحرية والتغيير المعلن رافضاً للتطبيع مع إسرائيل باسثناء بعض عناصره ، اتسمت بعض أحزاب التغيير بالصوت الصارخ في رفض التطبيع، ومنها حزب الأمة القومي ، وأحزاب البعث وعلى رأسها البعث العربي الاشتراكي ، إلى أن كان تصريح رئيس مجلس السيادة بالإثنين ،والذي أعلن فيه عدم رفض قيادة الحزبين للتطبيع ، مما خلف تناقضا مذهلا بين مواقف الحزبين المعلنة وتصريح البرهان، فماهي أسباب ذلك التناقض ؟
رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أكد في حديثه للتلفزيون القومي مساء أمس الأول الثلاثاء أنه تشاور مع رئيس الأمة القومي الصادق المهدي، ورئيس حزب البعث العربي الاشتراكي علي الريح السنهوري، فيما يتعلق بتطبيع علاقات السودان مع إسرائيل ،وأنهما لم يبديا إعتراضا ، بل وأكدا انه لا بأس طالما أن الأمر سيعرض على المجلس التشريعي ، كما أنه تشاور مع 90% من قادة القوى السياسية والمجتمعية السودانية ، وأنهم لم يعترضوا ، واتفق الجميع على التطبيع ،على ان يتم عرض ما تم التوصل إليه من اتفاقيات على المجلس التشريعي .
تصريح البرهان (سكب دلو من الماء البارد) على تصريحات وبيانات حزب الأمة والبعث النارية الرافضة للتطبيع ، فالأمة طرح مساءلة كل الساعين للتطبيع عبر قانون (مقاطعة إسرائيل ) ،بل وذهب للعمل على إسقاط الحكومة إذا ما أصرت على المضي في التطبيع ، أما البعث بقيادة السنهوري فظل موقفه المعلن رافضا للتطبيع بشراسة. شأنه شأن أحزاب البعث الأخرى.
وبالعودة إلى التباين ما بين التصريحات الرسمية نشير إلى موقف رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الذي ظل رافضا للتطبيع وبشدة ، للحد الذي تبادل فيه التكذيب والتكذيب المضاد مع البرهان ، حول لقاء نتنياهو في عنتيبي ، وبينما صرح البرهان أن حمدوك على علم بالزيارة ، أنكر الأخير علمه بها ،وبينما ظل حمدوك ووزير الإعلام يرددان أن الحكومة الانتقالية لا تمتلك الصلاحيات للنظر في قضية التطبيع ، كان لقاؤه المشترك مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب،ونتنياهو والبرهان هاتفيا ، والذي من خلاله أعلن عن التطبيع بين السودان وإسرائيل ، فضلا عن تصريحات المسؤولين في واشنطون وتل أبيب التي تمتدح أدوار حمدوك في تحقيق التطبيع !
نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق إسماعيل صديق قال ان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان التقى بالإمام الصادق المهدي في منزله ليلة الأحد الماضي ، وقدم تنويرا كافيا حول ما تم في التطبيع ، وفي حديثه طلب السيد الصادق ان يعرض أمر التطبيع على المجلس التشريعي ، الذي يقرر في المسائل السيادية العليا ، كما طلب من الرئيس ان يعلن مجلسي الوزراء والسيادة للناس أن أمر التطبيع ليس نهائيا وإنما خاضع لمراجعة السلطة التشريعية ، وهو سيحقق أهدافه المرحلية ، ولكن سيظل رهين النفاذ بالرجوع للسلطة التشريعية ، ونعتقد ان عرض القضية للمجلس التشريعي الذي يجب ان يشكل بأسرع ما يمكن هو الضامن الرئيس لسلامة الإجراء ودستوريته . وتحاشى الفريق صديق الرد على سؤال الصحيفة حول التناقض ما بين الحديث الذي أدلى به والذي يؤكد تصريح البرهان ، وبين الهجوم الشديد الذي وجهته بيانات الحزب الرافضة للتطبيع للحد الذي أعلنت فيه العمل على إسقاط الحكومة ، وقال الفريق صديق إنه أطلع الصحيفة على أحدث إنتاج سياسي للحزب حول التطبيع ، واذا أرادت الصحيفة أن تتعامل مع الإنتاج القديم (بيانات الحزب الرافضة للتطبيع) فذلك شأنها.
المتحدث الرسمي لحزب البعث العربي الاشتراكي عادل خلف الله في تعليقه على المفارقة بين تصريح البرهان وموقف حزبه قال لا توجد اية مفارقة ، فالحديث الذي أدلى به البرهان لا صحة له، وأضاف في حديثه لـ(الإنتباهة ) إلى ان الموقف التاريخي لحزبه منذ تأسيسه 1947 وحتى الآن هو رفض التطبيع ، وان الحزب مع لاءات الخرطوم الثلاث ، وذلك ما أكده رئيس الحزب علي السنهوري في تعقيبه على حديث البرهان امس الأول الثلاثاء ،وفيما يتعلق بحيثيات لقاء البرهان والسنهوري قال خلف الله ان السنهوري التقى بالبرهان مرتين ،الأولى ضمن وفد لقوى الحرية والتغيير عقب لقاء البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في عنتيبي اليوغندية ، والثانية عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو للبلاد ،وفي اللقاءين رفض الحزب أمر التطبيع ، وفي اللقاء الأخير احتدت المواجهة بين السنهوري والبرهان ،إثر تأكيد السنهوري بانه طالما تم الاتفاق على طرح قضية علاقة الدين بالدولة في مؤتمر دستوري فكيف نسمح بمنح السلطة الانتقالية ان تتخذ القرار في قضية أكبر من ذلك التطبيع . الذي يبت فيها برلمان منتخب وليس مجلسا تشريعيا لا يعرف متى يتم تشكيله.
المحلل السياسي محمد التجاني لفت إلى ان التطبيع في السودان بدأ في النظام السابق ، واتخذه عمر البشير كعسكري بمعزل عن المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية ، وذلك بطرد وإغلاق السفارة الإيرانية في الخرطوم ، وإبعاد حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) ، وكان من المفترض ان يلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ولكنه تعرض لضغوط فضلا عن تقاطعات داخل حزبه والحركة الإسلامية ، أوقفت خطواته للتطبيع ، وهذا يؤشر وفقا لحديث التجاني لـ(الإنتباهة) إلى ان المكون العسكري الذي كان جزءا من نظام البشير استمر في الإمساك بملف التطبيع ، بعد سقوط النظام ، لذلك بادر بإكمال التطبيع ، أما قوى الحرية والتغيير فلديها إشكالان في هيكلتها واتخاذ القرار وفي رؤيتها السياسية ، كما لديه مشكلة في التعامل مع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ، لذلك فإن هذه الفراغات دفعت المكون العسكري للتحرك بارتياح ، للتواصل مع حمدوك كرئيس وزراء ، والوصول لتفاهمات في ملف التطبيع ، وهذا يفيد ان خطوات التطبيع تمت بين المكون العسكري والمدني في الحكومة (حمدوك وبعض الوزراء)، دون أن تكون لقوى الحرية والتغيير علاقة بالأمر ، لذلك فان البرهان بنسبة كبيرة يقصد أولئك الوزراء الموافقين على التطبيع وايضا المدنيين في المجلس السيادي ، بقوله ان 90% من القوى السياسية وافقت بالتطبيع ، باعتبار أن وزراء الحكومة يعبرون عن أحزابهم ومن ذلك وزراء الأمة القومي والبعث بقيادة علي السنهوري وغيرهم . وفيما يتعلق بتناقض مواقف حزبي الأمة القومي والبعث بقيادة السنهوري قياسا لبيانات الاثنين مقارنة بحديث البرهان ، أوضح التجاني ان الإشكال الأساسي لقوى الحرية والتغيير غياب الرؤية والإرادة السياسية ، فحزب الأمة كمؤسسة رافض للتطبيع وكذلك البعثيين، ولكن ممثليهم في الحكومة مؤيديون للتطبيع . وفيما يتعلق بما يبدو تناقضات الحزبين أمام الرأي العام أشار التجاني إلى أن هذا الالتباس نتيجة للعلاقة بين الحكومة وقوى الحرية والتغيير ، فالتحالف غير قادر على إدارة نفسه ، وبالتالي غير قادر على إدارة الحكومة ، وأفرز ذلك فراغا بين الحكومة وقوى الحرية ، بحيث تبدو مواقف الحكومة شيئا ومواقف التحالف شيئا آخر . وفيما يتعلق بمواقف حمدوك المتباينة ما بين التأكيد على الحكومة غير مختصة بالنظر في قضية التطبيع ، وتأييده الكبير له كما اتضح لاحقا ، قال التجاني ان طبيعة شخصية حمدوك قائمة على الترضيات والموازنة ، بينما يتخذ ما يراه مناسبا من قرارات ، لذلك يصفه البعض بالمتردد وأنه لا يقوى على اتخاذ القرارات الكبيرة ، وفي تفسيره لتأييد حمدوك للتطبيع قال ان الأمريكان وضعوه كشرط للرفع من قائمة الإرهاب ، بالرغم من انه لم يكن موضوعا من البداية ، مما جعل الحكومة في خيارات ضيقة جداً، فاختاروا التطبيع.