محكمة شهيد (المتاريس).. (الادانة والاعدام )..!!

الخرطوم: رقية يونس
في مشهد تقشعر له الأبدان لحمله بين طياته حالات بشرية مختلفة حالة البكاء وانهمار الدمع الغزير (للحسرة والفرح)، وذلك عندما أسدلت المحكمة ستارها بإنزالها عقوبة الإعدام شنقاً حتى الموت قصاصاً في مواجهة ضابط برتبة رائد يتبع لقوات الدعم السريع ،وذلك لإدانته بقتل أول شهداء المتاريس – الشهيد حنفي عبدالشكور – دهساً بعربته بوكس دبل كاب بحي الدوحة بأمدرمان وذلك في صبيحة اليوم الثاني لفض اعتصام القيادة العامة الشهير في الـ(29) من رمضان للعام 2019م.
وأدانت هيئة المحكمة الخاصة المنعقدة بمعهد تدريب العلوم القضائية بضاحية أركويت شرقي العاصمة الخرطوم برئاسة قاضي المحكمة العليا محجوب حسن ، وعضوية قاضيي استئناف ، المدان ضابط الدعم السريع بمخالفة نص المادة (130/1) من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م التي تتعلق بالقتل العمد.
في ذات السياق أمرت المحكمة بتسليم العربة البوكس دبل كاب (المعروضات) في الدعوى الجنائية الى قوات الدعم السريع.
وتمسك (والد / ووالدة) الشهيد حنفي باعتبارهما أولياء دمه بالقصاص لا سواه – وذلك بعد أن خيرتهما المحكمة بالقصاص او الدية أو العفو – الا أنهما ظلا متمسكين بالقصاص لابنهما الشهيد حنفي ، وذلك لما توصلت اليه المحكمة من بينات لادانة المدان.
في المقابل ذرفت شقيقات الشهيد ووالدته الدمع فرحاً بحكم الاعدام على المدان بقتل (حنفي) ، مرددين عبارة (التكبير / والتهليل) داخل قاعة المحاكمة .
في ذات السياق استنكر المدان وذووه حكم الاعدام عليه ،وظلوا يرددون عبارات (حسبي الله ونعم الوكيل) ،فيما رصدت (الإنتباهة ) وعقب النطق بحكم الاعدام على المدان ضابط الدعم السريع وهو يقوم بفتح (زر) مايكرفون الصوت (المايك) بداخل قفص الاتهام وقال عبره مخاطباً اسرة الشهيد حنفي بانه بريء من قتل ابنهم (حنفي) ،وبعدها ردد بقوله : (حسبي الله ونعم الوكيل ..وسنجتمع ونلتقي يوم القيامة بإذن الله ..والموت حق ..) ، في ذات الوقت نهض احد ذوي المدان من مقعده المخصص بقاعة المحكمة وظل يقول بصوت مدوي للمدان بانه (راجل ود رجال ) .
في ذات الاتجاه تفاجأ طرفا الدعوى الجنائية بقاعة المحكمة بحضور النائب العام المكلف مولانا مبارك محمود ، لجلسة المحكمة وجلس الى جانب هيئة الاتهام عن الحق العام التي يمثلها وكيل أعلى النيابة علي الباجوري ،حيث دونت المحكمة حضورهما بمحضر المحاكمة ، الى جانب تدوينها حضور ممثل الاتهام عن الحق الخاص عن اولياء الدم المحامي رفعت عثمان ، بالاضافة الى تسجيل المحكمة حضور هيئة دفاع المدان وهم المحامون (يوسف ابراهيم / عيسى عبيد الناس/ خالد عبد الله ) .
حالات هستيرية وبكاء ..
وعقب انتهاء المحكمة من تلاوة قرارها في القضية ، تدافعت عشرات النساء من ذوات المدان ضابط الدعم السريع ، في محاولة منهن لاقتحام مباني المحكمة والدخول اليه وهن في حالة هستيرية يصرخن بكاء ونحيباً لقرار المحكمة ، الا ان قوات الشرطة القضائية كانت أسرع منهن وقامت بإغلاق البوابة (الحديدية) الرئيسية لمقر المحكمة من الخارج ومنعهن من الدخول اليها .
حشود وتطويق الشرطة..
في ذات الوقت رصدت (الإنتباهة ) وصول حشود غفيرة وضخمة منذ الصباح الباكر وتجمهروا من الناحية الجنوبية لمقر المحاكمة وهم يحملون لافتات ورقية طبع على بعضها صوراً للشهيد حنفى عبدالشكور بلون مائي أسود وأبيض ، اضافة الى طبع صوراً للشهيد وعبارات( القصاص ..والدم قصاد الدم ..ما بنقبل الدية ..والشهيد يريد القصاص ..و(130) المشنقة بس ) ، على (شالات) كان يضعها المتجمهرون بعناية وإحكام حول رقابهم ،في المقابل رصدت (الإنتباهة ) وجود بعض الفتيات وسط الحشود يرفعن صورا للشهيد ويطلقن بواسطة حناجرهن (زغاريد ) الفرح بقرار المحكمة .
في المقابل كانت سيارات الشرطة وناقلات جنودها تصطف على كافة المداخل التي تقود الى مقر المحاكمة وفرضوا سياجا منيعا لتأمين وحماية مجريات سير جلسة النطق بالحكم من الخارج ، وامتد تأمين افراد الشرطة الى داخل قاعة المحاكمة زهاء (الساعة والنصف ) وانتشروا بين مدرجات القاعة وهم على اهبة الاستعداد يقومون باعمال التأمين .
العربة دهست (حنفي)
وقبل وصول المحكمة الى قرار ادانتها المدان ضابط الدعم السريع بالقتل العمد لشهيد المتاريس حنفي عبدالشكور ، طرحت عدة اسئلة اولها بهل قام المدان بدهس الشهيد حنفي يوم الحادثة ؟ واجاب بنعم ، وارجعت المحكمة ذلك الى انه وبحسب الثابت وأقوال المدان وافادته بالتحريات والمحكمة بانه هو من كان يقود العربة المعروضات لوحده ولم يقدها احد بدلا منه يوم الحادثة ، اضافة الى ان العربة لم تتعرض للسرقة ككل أو سرقة لوحاتها المرورية ، وشددت المحكمة كذلك بانه وعند مخاطبة المتحري للمدعي العسكري لقوات الدعم اكد بان العربة محل البلاغ تتبع لهم ويقودها المتهم في البلاغ ، اضافة الى تعرف (6) من شهود الاتهام على العربة المعروضات وافادوا بانها ذات العربة التي دهست الشهيد ، معللين ذلك الى أن تعرفهم على العربة كان نتيجة تركهم عليها علامات تتمثل في إصابتهم لها وحصبها بالحجارة وضربها بـ(عصا) عقب دهسها للشهيد ، الى جانب ان بعض شهود الاتهام اكدوا للمحكمة بمطاردتهم لذات العربة التي كان يقودها المدان بعد دهسه للشهيد ، اضافة الى ان بعض الشهود تعرفوا على العربة وهي بفناء المحكمة اثناء سير المحاكمة وتأكيدهم بان (التلبيسة ) التي على مقعد العربة هي ذاتها ولم تتغير .
الضابط دهس الشهيد..
في ذات السياق افادت المحكمة في حيثيات قرارها بانها توصلت الى ان المدان ضابط الدعم السريع هو من كان يقود العربة المعروضات التي دهست الشهيد حنفي عبدالشكور ، وذلك من خلال أقوال (6) من شهود الاتهام مثلوا امام المحكمة وتعرفوا على المدان بقفص الاتهام وأفاد بعضهم بانهم قاموا بمطاردته بعد دهسه للشهيد وتحدثهم معه لدقائق ، بالاضافة الى ذكر بعض شهود الاتهام بانهم قد تحدثوا لدقائق مع المدان قبيل دهسه للشهيد وكان يرتدي زياً عسكريا يتبع للدعم السريع ، ونبهوه خلال حديثهم معه بسلكه طريقا مغايرا مع بقية اصحاب العربات الاخرى غير الذي قاموا بتتريسه ، الى جانب تقديم الاتهام عدة من القرائن والبينات الظرفية وتقديمهم لاسطوانة سي دي تحتوي على مشاهد مصورة بيوم الحادثة ، اضافة الى تقديمهم (نترات زجاج السيارة ) التي هشمت نتيجة ضرب الشهود لها يوم دهس الشهيد، اضافة الى تقديم الاتهام مستند اتهام (9) عبارة عن صور لعربة المدان اخذت من مقطع فيديو سبق وان تم عرضه امام المحكمة بحضور طرفي الاتهام والدفاع ، واضافت المحكمة بانه بالرغم من ان عدم ظهور أرقام لوحة العربة المرورية الا انها ذات العربة التي دهست الشهيد وتعرف عليها الشهود .
في سياق مغاير لفتت المحكمة في قرارها الى انها لم تعر طابور الشخصية اي اعتبارا خلال مجريات الدعوى الجنائية وذلك لعدم تقديم الاتهام اي مستندات تتعلق به وذلك لعيوب (شابت ) اجراءات الطابور – وانما اكتفت المحكمة فقط بتعرف شهود الاتهام امامهاعلى المدان بقفص الاتهام .
حجية الغياب
وحول دفع المدان للمحكمة بحجة الغياب يوم الحادثة وتواجده بمنطقة دوكة بولاية القضارف الذي سافر اليها دون اذن مكتوب او شفاهي من وحدته العسكرية لا يشفع له – لاسيما وأن المدان النظامي بقوات الدعم السريع لم يقدم اي افادة لتعرضه لمحاسبة من وحدته لغيابه لأسبوعين وسفره دون إذن ، كما أن حجية سفره تأتي مخالفة لقانوني الدعم السريع والقوات المسلحة التي تقيد سفر النظاميين في حالات الطوارئ والحرب في البلاد الا بإذن مسبق ، ونبهت المحكمة الى ان حجية المدان بغيابه عن مسرح الحادثة وسفره لدوكه هي (اضعف من خيط العنكبوت) بحد تعبيرها لا سيما في ظل وجود شهود الاتهام الذين اثبتوا عكس ما ذهب اليه المدان في أقواله للمحكمة .
صحة أقوال للدفاع ..
في سياق مغاير نوهت المحكمة الى انه ثبت لها من خلال مراجعة محضر المحاكمة بان ما ورد في خط الدفاع صحيح بان نيابة ام درمان قد رفضت طلبا للمدان ودفاع بسماع شهود وبينة دفاعه وقت التحريات لاثبات بانه كان غير متواجد يوم الحادثة بولاية الخرطوم – وانما كان بمنزل ذويه بدوكة ، ونوهت المحكمة الى انها توصلت الى صحة ذلك من خلال عثورها بالمحضر على قرار لوكيل النيابة الاعلى يرفض من خلاله طلب اسئتناف دفاع المدان حول توجيه التهمة او تقديم بينة الدفاع عنه بالتحريات وقالت له اذا كان لديك بينات عليك الذهاب بها وتقديمها للمحكمة ، ونوهت المحكمة قائلة: الى انه وبسماعها لاقوال شهود الدفاع لا يعني الأخذ بما جاء فيها.
الدهشة
في ذات الوقت اكدت المحكمة في حيثيات القرار بان المدان لم يستطع اثبات وجوده خارج العاصمة وقت الحادثة ، اضافة الى تضارب اقوال شاهد المحكمة الثاني مع اقوال المدان التي ادلى بها أمام المحكمة وافاد بانه وبتاريخ 26 رمضان للعام 2019م قد توجه الى طلمبة الوقود الخاصة بوحدته العسكرية وقام بتغذية خزان عربته البوكس بـ(52) جالونا للوقود ، ومن ثم توجه في ذلك اليوم مسافراُ الى دوكة ولاية القضارف ، فيما مثل شاهد المحكمة الثاني مسئول طلمبة الوقود بالوحدة العسكرية التابع لها المدان واكد للمحكمة بانه قام بتعبئة (40) جالون وقود للمدان وذلك في يوم 13/5/2019م ، ونبهت المحكمة الى انها وبمراجعتها ومطابقته بالشهور العربية اتضح بانه لا يطابق اليوم الذي ذكره المدان امامها بانه يوافق (26 رمضان ) وانما كان يقابل يوم (8) رمضان اي بفارق (18) يوما ، وشددت المحكمة على ان ما ذكره المدان لها يعتبر من القرائن والدلائل التي تشير الى انه غير صادق في افادته للمحكمة ، فيما اشارت المحكمة كذلك الى ان شاهد المحكمة الثاني اكد بانه وفي التاريخ الذي ذكره المدان كان يؤدي مناسك العمرة بالمملكة العربية السعودية ولم يكن متواجداً بالبلاد .
في ذات السياق اكدت المحكمة بانها لم تأخذ بافادات شهود دفاع المدان التي ادلوا بها امام المحكمة ، وأرجعت ذلك الى ان شهود دفاع المدان كانوا جميعا من اصدقائه واقربائه وادلوا باقوالهم بطريقة دقيقة ومرتبة بالتواريخ والشهور والساعات كأنما تم (تحفيظهم ) تثير الدهشة بحد قولها – كما فشلوا في ذات الوقت الادلاء بتواريخ لأحداث مشابهة لأحداث القضية ، وشددت المحكمة على انها تجد اقوال شهود الدفاع قد أضعفت بينة المدان ولم تقو على مناهضة بينة الاتهام .
بلاغ مصطنع ومحير..
من جهته اشارت المحكمة في قرارها الى انها لم تأخذ بدفع المدان ببينة تعرض عربته لكسر زجاجها وسرقة ما بداخلها من (حلق ذهبي يخص زوجته ) وبعض مقتنياته الخاصة وتدوين بلاغ بذلك ، اتضح بان البلاغ لم يتم تدوينه بموجب عريضة من وكيل نيابة مختص وتم حفظه دون تدوين كشف بالمسروقات أو عرضه على وكيل النيابة – ونوهت المحكمة الى انه بذلك يعتبر بلاغ (محير) – كأنما صنع لاجراءات هذه الدعوى – لاسيما وانه وبمطالعة المحكمة لأوراق البلاغ وجدتها جديدة ولم يظهر عليها اثر التداول بالأيدي وتبين بانه تم حفظه في دولاب الشرطة ولم يتأثر بالمدى الزمني – حيث ان جديد أوراقه وبياضها الناصع يشير الى انه صنع قبل ايام من خلال سير الدعوى وليس قبل سنوات كما ادعى المدان الضابط ، اضافة الى انه وبمراجعة كشف المسروقات المدون بمحضر البلاغ اتضح بان المدان لم يذكر سرقة حلي ذهبي يخص زوجته مما ذكره في استجوابه بالمحكمة .
عنف وسرعة زائدة ..
وشددت المحكمة في حيثيات قرارها على انه ثبت لديها من شهود الاتهام بان المدان ضابط الدعم السريع قد أوقفه شبان صبيحة يوم الحادثة بعد احتجاجهم على فض اعتصام القيادة العامة في التاسع والعشرين من رمضان للعام 2019م وطلبوا سلك طريق ترابي بديلا عن الذي قاموا بتتريسه – إلا ان المدان عاد بعربته بالخلف وتجاوز الترتوار بالشارع الرئيسي وزاد من سرعته وقام بضرب الشهيد حنفي عبدالشكور ، من الخلف ومن ثم دهسه بإطاري عربته البوكس الأمامي والخلف من الجهة اليمني ومن ثم صعد بعربته وسار بها على جسده مما تسبب في وفاته واصابة ثلاثة آخرين كانوا بجوار الشهيد بإصابات طفيفة ، ونبهت المحكمة في قرارها الى انه ثبت لديها بان المدان زاد من سرعة عربته ودهس الشهيد وكان يعلم ان الموت نتيجة راجحة للمجني عليه (حنفي) او غيره ، وذلك لسرعته الزائدة ، ونوهت المحكمة الى ان ما قام به المدان هو عنف تسبب في قتل الشهيد من خلال صدمه بعربته البوكس التي بالرغم من انها وسيلة نقل – إلا ان صدمتها أعنف من اصابة الطلق الناري بحد تعبيرها .
لا موانع مسئولية للمدان ..
ونوهت المحكمة في خواتيم حيثيات قرارها الى ان دفع هيئة دفاع المدان بان الحادث للشهيد وقع نتيجة قيادة طائشة تنفيها الظروف التي وقعت عليها الأحداث لثبوت (عمودية ) قتل المدان للشهيد الذي كان يقف على جانب الطريق الترابي للشارع العام وليس بالقرب من المتاريس من الشارع العام ، في وقت اشارت فيه المحكمة الى عدم وجود اي موانع للمسئولية الجنائية للمدان من خلال ارتكابه للجريمة ضد الشهيد بالإكراه او في حالة دفاع شرعي او لوجود خطر عليه او تعرض ماله او عرضه للخطر ، كما نفت المحكمة في قرارها عدم استفادة المدان من حق الدفاع عن النفس بوجود معركة مفاجئة مع المدان – لا سيما وان الشهيد لم يكن طرفا مع بقية الشبان الذين تناقشوا مع المدان في سلكه طريقا آخر غير (المترس).
التتريس لا يعني القتل ..
وأفادت المحكمة في قرارها بان قفل الشوارع بالمتاريس لا يمكن ان يكون امراً يؤدي الى ارتكاب جريمة قتل شخص – وكان حري للمدان ضابط الدعم السريع ان يستجيب لحديث الشبان بسلك طرق بديلة غير التي تم تتريسها مثل ما فعل واستجاب بقية أصحاب المركبات يوم الحادثة – وبالتالي فان إصرار المدان وقيادته لعربته بسرعة زائدة ومندفعة لم يكن سيقف عند قتل الشهيد حنفي فقط وإنما أي شخص يقف أمامه .