مسابقة عيون الشباب على التنمية

في مشروع الرهد: تقاوي القطن الفاسدة…من المتهم؟؟؟

تحقيق: هالة حافظ

يعتبر مشروع الرهد الزراعي ثاني أكبر مشروع زراعي مروي بالسودان الا انه يعاني الآن من التدهور المريع  والفشل في الموسم الزرعي الصيفي ، ولعل العقبات واجهت مشروع الرهد الزراعي منذ قيامه وتمرحله من مؤسسة الى أن وصل الى هيئة زراعية كبرى ، والتي بدأت منذ عهد النظام البائد متنوعة ما بين المشاكل الإدارية واختلاطها بالأوضاع السياسية وتأثير ذلك على العاملين بالهيئة ، فأثرت على مستوى العمل في المشروع وقلت كفاءة العاملين لإحساسهم بالظلم من السياسات التي عجلت بفصل العديد وتمكين آخرين في مواقعهم غير مؤهلين  وإقصاء آخرين رغم كفاءتهم   بيد اننا نجد الآن الفساد في هيئة الرهد بعدة هيئات كان آخرها جلب شركة لتقاوى قطن فاسدة دون حسيب او رقيب، فأول سؤال يبادر الى الذهن كيف تم دخول كل هذه الكميات في مخزن الهيئة دون فحصها. (الإنتباهة) جلست لعدد من قيادات المشروع لعكس هذه التجاوزات من خلال الإفادات التالية:

دون تعاقد

تعد قضية فساد التقاوي السمة البارزة بالمشروع وكشف مصدر فضل حجب اسمه عن جلب احدى الشركات التي تتعاقد سنويا لمشروع الرهد الزراعي (القسم الثالث)  تقاوي قطن منتهية الصلاحية للمزارعين،  وأبان انها لم تتعاقد هذا العام ، اذ ان المزارعين فوجئوا بضعف نسبة الإنبات والتي تتراوح مابين ٣٠ الى ٥٠ ٪، واستبعد المصدر ان تكون هناك صلة بين الشركة والادارة  بالقيام بهذه العملية، وأوضح ان دور الأخيرة يكمن في طرح تقاوي الشركات على المزارعين لبيعها، ونبه الى تحرك الادارة عن إخطار الشركة بوجود مشكلة في التقاوى، وتابع : الشركة أبدت استعدادها لتعويض المزارعين الذين استخدموها، مبررة ذلك بجلبها للتقاوي عن طريق الخطأ، وقال ان الادارة أخطرت مدير القسم الثالث بعدم استخدام اي تقاوي مرة أخرى حال لم تأت بصورة رسمية، مبينا ان اي تقاوي يتم جلبها يتم اختبارها قبل ان يتم توزيعها على المزارعين.

خسائر

وعن حجم الخسائر التي لحقت بالمزارعين يعكس  المزارع احمد ابراهيم بمشروع الرهد القسم الثالث القرية ١٣ حواشة رقم ( ٩٩٦)   صورة واضحة للعيان بانه  قام باستخدام  التقاوي المنتهية الصلاحية ، الذي قام بشراء الجوال منها بواقع  ٢٤ الف جنيه ، موضحا بأنه قام بزراعة ١٠ أفدنة  بيد انها لم تنبت، وقال لـ(الإنتباهة) ان نسبة خسارته من جراء تلك العملية بلغت ١٤٨ الف جنيه، ولفت الى اجرائهم عدة محاولات للوصول الى مدير الشركة  إلا انها باءت بالفشل، وكشف عن ان جوالات تعبئة التقاوي تحمل تاريخ العام ٢٠١٨ م، وبررت ادارة الشركة هذا الأمر بتلف جوالات التقاوي وتغييرها بجوالات قديمة تحمل التاريخ المدرج أعلاه .

ويكشف المزارع عوض الله بمشروع الرهد الزراعي عن جلب شركة اجنبية لتقاوي منتهية الصلاحية منذ العام ٢٠١٨، وقال ان إدارة المشروع أجبرت احد الموظفين في معمل إكثار البذور باستخراج تقرير يفيد بتجربة البذور ليوضح انها صالحة للزراعة، وافاد ان الادارة اتفقت مع الشركة بأخذ ١٥٠ جنيها في كل كيلو من التقاوى علما أن سعر الكيلو يبلغ ٤٠٠ جنيه اذ أن سعة  الجوال تبلغ ٢٠ كيلو  ، بيد انه قابل هذا الطلب بالرفض القاطع، ولفت  الى ان الإدارة قامت  بشراء التقاوي منتهية الصلاحية  من الشركة بمبلغ ٢٠ الف جنيه للجوال ، لكنهم قاموا ببيعها بمبلغ ٢٤ الف جنيه للجوال الامر الذي أثار حفيظة الشركة، وأشار عوض الله الى ضرورة التأكد وعدم إدخال اي تقاوى في المخزن حال عدم فحصها وتجربتها، لجهة ان دور الادارة يكمن في  حماية المزارع ،وأكد ان الادارة عملت على كشط تاريخ الصلاحية بالجوالات التي انتجت في العام ٢٠١٨ واستبداله بتاريخ ٢٠٢٠ م ،  وتوقع عوض الله في افادة  لـ(الإنتباهة) ضعف انتاج القطن، بالرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدها المزارع في التحضير والري وغيرها من العمليات الزراعية، واكد على ان مرتب الموظف ٦ آلاف جنيه بيد ان الادارة عملت على منح بعض الموظفين المقربين  حوافز تصل الى ٥٠٠ الف جنيه، وجزم بصرف موارد المشروع لحزمة معينة من افراد الإدارة، وابان ان مشروع الرهد مازال  يتمتع بصلابة بنيته التحتية وذلك بتوفر احدث الآليات، وأبدى استغرابه من عدم تعيين الوزارة لمدير عام جديد للهيئة لجهة تقديمهم عدد كبير من ملفات الفساد ضده.

وفي ذات السياق اشار  المزارع طه محمد عبدالله عضو لجنة انتاج زراعي القرية ١٣ بمشروع الرهد الزراعي الى عدم إنبات التقاوي منتهية الصلاحية التي قامت بجلبها احدى الشركات، وابدى استياءه من تصرف الادارة باستلامها للتقاوي الفاسدة بدون مستندات تثبت مدى صلاحيتها، ولفت الى ان بعض المزارعين قاموا بشراء  سماد (الداب) العام الماضي بسعر ٢.٥٠٠ جنيه  للجوال إلا ان الشركة قامت ببيعه بمبلغ ٦ آلاف جنيه للجوال، فضلا عن شرائها لقنطار القطن بـ(١٥ ) الف جنيه فقط من المزارعين  في حين ان السعر  الحقيقي (٣٠ ) ألف جنيه للقنطار، وابان ان المسؤولين في الادارة يقومون بدور المزارع لمصالحهم الشخصية، وقال لـ(الإنتباهة) على الجهات المسؤولة  القيام بواجب العزاء في مشروع الرهد الذي قال انه دمر بشكل كبير، وشكا طه من ضعف التحضيرات خاصة قلة انسياب مياه الري وعدم تطهير الترع وأبو عشرينات ، وتوقع طه شح الانتاج الى أقل من ٥٪، مشيرا الى غياب شركات مدخلات الإنتاج لعدم الثقة في الادارة التي شكلت حجر عثرة أمام نهضة المشروع .

إجراءات محاسبية

وجزم اختصاصي الوقاية بهيئة الرهد الزراعية مرتضى محمد علي بمشروع الرهد الزراعي ان  إدارة هيئة الزراعية  أقدمت على بيع اكثر من 20 الف جوال سماد في العام 2019 لأفراد دون اتباع الإجراءات المحاسبية السليمة حيث لا يتم البيع إلا بتصديق من وزارة المالية و يتم ذلك بعطاء ومزاد علني، وأوضح لـ(الإنتباهة) بأنه كان من المفترض بيع هذه الكمية للمزارعين الذين يعانون من الحصول على هذا المدخل الهام لارتفاعه في السوق وعدم وجوده احيانا أخرى، منوها الى  عدم مقدرة الدولة على استجلابه لجهة ارتفاع أسعاره، مبينا ان هذا الأمر  تسبب في فشل موسم القمح 2020م  بيد ان هذه الكمية كان من المفترض  ان تساهم في زراعة محصول القمح   بالمشروع حيث تم البيع بسعر 1100جنيه للجوال الواحد في حين ان سعر الجوال حينها  في السوق الموازي 2500 جنيه.

لافتا الى ان المشروع  كان يساهم بنسبة 14.5 % في الدخل القومي في مطلع  الثمانينيات من القرن الماضي وذلك بتصدير إنتاج كميات عالية من القطن بيد ان المشروع الآن يشهد تدهورا  مستمرا ويحتاج إلى جراح ماهر لإزالة الأمراض السرطانية التي المت به  ، واضاف ان أغلب المساحات الآن لم تزرع نسبة لنقصان مياه الري وامتلاء الترعة والقنوات بالحشائش والإطماء فضلا عن عدم تطهير المصارف وتابع : وزارة الري السبب  لعدم التمويل الكافي من وزارة المالية والتذبذب المستمر في الكهرباء،  واشار الى الظلم والتمكين في الخدمة المدنية فيما يخص الهيكل الوظيفي الظالم الذي تم تصديقه بالمشروع في العام 2017، أبعد اصحاب المؤهلات والكفاءات الذين لم تشفع لهم شهاداتهم وسنين خدمتهم واتي بمنسوبي المؤتمر الوطني في وظائف ودرجات لا يستحقونها أضعفت الأداء العام بالمشروع وغرست الشعور بالظلم والإحباط في نفوس اغلب العاملين حيث تم التعيين في الوظائف العليا حسب العلاقة مع  النظام السابق، واتي بأصحاب الولاء والمنسوبين اذ ان لجان التمكين لا تحرك ساكنا،   واضاف  المشروع الآن يحتضر ، وتساءل اين لجنة إنجاح الموسم الصيفي من هذا وماهي مؤهلاتهم ولماذا لم يتم التحقيق في شركة كنانة للحلول المتكاملة والتي نهبت كل أصول المشروع في العام 2010 بعد ان قام المدعو المتعافي بحل مؤسسة الرهد الزراعية وتشريد كل العاملين فيها واين محالج مشروع الرهد الزراعي والتي امتلكتها شركة الأقطان بعقد باطل وأن هذه الشركة نفسها التي يمتلك فيها مزارعو المشروع اسهما لأكثر من 23% ولا يعرفون اي شيء عن أسهمهم وأرباحهم في هذه الشركة؟ .

تعاقد شفهي

من جانبه اكد  المستشار القانوني باللجنة التسييرية لهيئة الرهد الزراعية حافظ على ان الشركات لا تقوم بتوقيع عقد مع المزارع أو ان المزارع لايطلع على العقد لجهة ان المزارع يتعامل بسجيته لعدم  جلبه لمستشار قانوني يحفظ حقوقه وواجباته مع الأطراف المشتركة وهم هيئة الرهد والشركة والمزارع عبر الجمعيات، وقال لـ (الإنتباهة) ان المزارعين يتعاقدون مع الشركات شفاهة بيد ان هذا الأمر جعلهم حلقة ضعيفة في هذه العملية، ونوه الى ان الشركة المعنية بجلب التقاوي الفاسدة تطالب المزارعين بمستحقات مالية في حين ان المزارعين هم من لهم حقوق لدى الشركة بسبب إخلالها للعقد، ولفت حافظ الى ان فلول النظام السابق مازالوا موجودين في جزء كبير من المشروع بكل مفاصله خاصة الري  وتخصيصه لفئة معينة من المزارعين، فضلا عن بقية مدخلات الانتاج، وأشار الى كشط الشركة التي قامت بجلب التقاوي الفاسدة للتاريخ القديم ٢٠١٨ واستبداله بتاريخ ٢٠٢٠م، وتابع ليس من حق الشركة استغلال مخازن هيئة الرهد لتخزين تلك التقاوى  خاصة حال عدم فحصها لجهة ان عدم التأكد من صلاحيتها يؤدي الى إعادة العملية الزراعية وتكبد الكثير  من الخسائر والأضرار ، وأوضح ان كل التبعات القانونية التي أصابت المزارعين    تتحمل مسؤوليتها هيئة الرهد الزراعية اضافة جسم أصحاب مهن الانتاج الزراعي والحيواني .

قضية فساد مشابهة

وشغلت العديد من قضايا التقاوي الفاسدة الرأي العام السوداني خلال الأعوام الماضية.  وفي العام 2013 شكلت لجنة برلمانية للتحقيق في تقاوي قمح فاسدة بمشروع الجزيرة، وحملت اللجنة مسؤولية ضعف إنبات التقاوي لوزارة الزراعة الاتحادية والبنك الزراعي .

وذكرت اللجنة أن التقاوي المتوفرة أثبتت أيضاً وجود عجز، لجهة أن المساحات التي كان مقرراً زراعتها 300 ألف فدان، بينما المتوفر من التقاوي لا يكفي إلا لنحو 160 ألف فدان.

سابقة قضائية

وقضايا الفساد المشابهة في مجال التقاوي والمبيدات كانت كثيرة جدا في العهد البائد وتم فيها عدد من المحاكمات آخرها قضية تقاوي القمح الفاسدة قبل 10 أعوام والتي قضت فيها  محكمة المناقل الجزئية برئاسة القاضي صالح عثمان محمد في قضية رقم “321” لسنة 2014م، بتعويض المدعين ضد البنك الزراعي في قضية التقاوي الفاسدة، وقررت المحكمة تعويض المتضررين البالغ عددهم “10” مزارعين رفعوا الدعوى ضد البنك، بمبلغ “2.5″ مليون جنيه، وذكر القاضي أن الحكم جاء بالتعويض لكل مزارع حسب الضرر الذي لحق به بواقع “8” جوالات للفدان وفق السعر التركيزي المعلن في 2018م والبالغ 1.800 جنيه.

وكانت محكمة الموضوع قد أصدرت قراراً بشطب البلاغ في العام 2014م، وقد تم الاستئناف بمدينة مدني التي قضت في 19 مارس 2018م بإعادة سير الإجراءات وفق ماجاء في مذكرة الإدعاء التي أكد الشهود خلالها أن إنتاجية الفدان انخفضت بسبب التقاوي وعدم جودتها.

وأكد مجلس حكومة ولاية الجزيرة في اجتماعه يوم الخميس برئاسة والي الجزيرة أ.د الزبير بشير طه الالتزام بتعويض المزارعين المتضررين كافة من تقاوى القمح الفاسدة، تعويضاً كاملاً عن الخسائر كافة التي لحقت بهم .

اضغط هنا للانضمام لمجموعات الانتباهة على تطبيق واتساب
زر الذهاب إلى الأعلى